الأولى

قمة الشرعية والسياسة

رئيس التحرير : 

فوجئ السوريون كما العالم صباح أمس بالأخبار العاجلة التي كانت ترد من موسكو حول القمة السورية الروسية التي عقدت أول من أمس بين الرئيسين بشار الأسد وفلاديمير بوتين في قصر الكرملين وشهدت اجتماعين أحدهما ثنائي إضافة إلى مأدبة عشاء أقامها الرئيس بوتين على شرف ضيفه.
الزيارة التي صدر عنها بيان مشترك تضمنت الكثير من الرسائل السياسية والمعاني والأبعاد.. أولى هذه الرسائل كانت صيغة الدعوة الرئاسية الروسية الرسمية التي أكدت وحصّنت شرعية الرئيس الأسد في قيادة سورية وتلك الشفافية التي تجلت بإصدار بيان لم يكن بصيغة البيانات المعتادة الصادرة عن قمم كهذه، بل كان محضر الاجتماع الذي سمعه وسجله الإعلام الروسي وبثه لباقي دول العالم وسمعناه جمعياً بصوت الرئيسين الأسد وبوتين.
الرسالة الثانية أن القمة لم تأت قبل بدء العمليات العسكرية الجوية فوق سورية كما من المفترض في مثل هذه الحالات للتنسيق بين البلدين، بل جاءت بعد بدء تلك العمليات بأسابيع لتبحث ما بعد تأسيس وإعلان الجبهة الروسية السورية المشتركة ونتائجها وتأثيراتها المباشرة على الأرض، وردود أفعال كل من أنتج الإرهاب ويستثمره لتحقيق غاياته المعروفة وأخفق طوال السنوات الخمس الماضية نتيجة بطولات الجيش العربي السوري وصمود السوريين عموماً والدعم السياسي الروسي والصيني والدعم الإيراني ودعم حزب اللـه ودول بريكس المساندة لسورية في حربها على الإرهاب وتمسكها بوحدة أراضيها وسيادتها.
لقد بات الانتصار العسكري على الإرهاب حتمياً على الرغم من تهديدات صبيان آل سعود وآل ثاني وأسيادهم ومن لف لفهم، وجاءت القمة السورية الروسية لتشكل سياسياً صفعة جديدة لكل هؤلاء، فالرئيسان أكدا مجدداً أن لا حلول سياسية قبل دحر الإرهاب، لا بل أضافا على ذلك أن الحل السياسي سيكون نتيجة للحرب على الإرهاب، واستخدما العبارة المفتاح التي تنسف كل مخططات الغرب وأزلامهم من آل سعود والعثمانيين الجدد، وهي أن «مصير ومستقبل سورية يقررهما الشعب السوري وحده دون أي تدخل خارجي»، عبارة تكمن أهميتها في التوقيت الذي يسبق لقاء سيجمع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع نظرائه الأميركي والسعودي والتركي يوم الجمعة القادم في فيينا، حيث سيواجه لافروف وحده أفكار وأوهام الحلف الأميركي الذي لا يزال يصمم على فرض الحل على الشعب السوري لا استشارته.
كلام الرئيسين أول من أمس وتطابق المواقف بينهما منذ اندلاع الحرب على سورية، يؤكد مجدداً أن التحالف السوري الروسي ليس تحالفاً عسكرياً فقط كما ظهر في الأيام والأسابيع القليلة الماضية، إنما هو تحالف سياسي أولاً، وعسكري ثانياً، واقتصادي ثالثاً، هو تحالف الحق في مواجهة الباطل، وتحالف الشرعية في مواجهة تحالف الإرهاب.
إن معنى الزيارة، بعد انخراط روسيا العسكري في مكافحة الإرهاب، هو ليس فقط البحث في الخطط الموضوعة من القيادات العسكرية في البلدين من أجل دحر هذا الإرهاب، بل تعني خاصة بدء البحث في الحل السياسي وفقاً للرؤية السياسية السورية الروسية المشتركة والمبنية على أسس واضحة، وهي رغبة السوريين أولاً، وثم الحوار مع كل المعارضات الوطنية أي غير المسلحة، أو التي توافق على التخلي عن السلاح في إطار الحل السلمي، والتي سبق أن بدأ حوار معها (المعارضات غير المسلحة) في موسكو من خلال المنتديات التي أقيمت سابقاً.
إن سورية التي سبق أن أكدت أنها منفتحة على أي حوار مع كل من يؤمن بهذا الحوار بعيداً عن الإرهاب ودعم الإرهابيين، واستعدادها لإشراك المعارضات في حكومة وحدة وطنية، أيدتها موسكو من خلال إعلانها أن لا وجود لما يسمى «معارضة معتدلة»، بل مجموعات إرهابية تطلق على نفسها تسميات مختلفة لكنها جميعها تصب في خانة الإرهاب الممول خارجياً، وكانت قبل ذلك شرعت باستضافة لقاءات بين الدولة السورية ومختلف التيارات المعارضة دعماً لحل سياسي دون تدخل خارجي.
إذاً دمشق وموسكو متفقتان على أهمية تلازم المسارين العسكري والسياسي واستمرار الحوار مع المعارضات الوطنية وضرورة التوصل إلى حل سياسي ورزمة من الإصلاحات، شرط أن تكون المرجعية الوحيدة لمجمل الحوار هي تطلعات الشعب السوري ورغبته في تقرير مصيره، وليس تلك الورقيات والأفكار غير الواقعية التي يتم تداولها في أروقة الكواليس المعادية لسورية التي تارة تريد فرض آمالها وأوهامها برؤية خروج الرئيس الأسد من سورية، وتارة «تسمح» له بالبقاء مدة ستة أشهر، وتارة ترى أن لا حل في سورية إلا من خلال الإرهاب وتدمير سورية وتهجير شعبها.
إذاً الزيارة ليست زيارة عمل كما قدمها الإعلام، هي زيارة استثنائية بكل ما تعنيه الكلمة، زيارة أظهرت قوة التحالف السوري الروسي وحلف المقاومة، وأعادت التأكيد على شرعية الرئيس بشار الأسد كرئيس للجمهورية العربية السورية وقائد عام للجيش والقوات المسلحة والمحاور الوحيد سياسياً وعسكرياً من أجل دحر الإرهاب وإعادة السلم والسلام إلى كامل المنطقة.
إنها زيارة تضع حداً لتهديدات الغرب وأزلامهم في المنطقة، وتؤكد تصميم موسكو على المضي قدماً في تحالفها السياسي والعسكري مع سورية ومنعها لأي تدخل في شؤون الشعب السوري وحرصها على وحدة وسيادة الأراضي السورية، ولعل الصور التي بثت أمس أقوى رسالة تلقاها الغرب عن جدية موسكو ودمشق في تحالفهما من أجل تحرير الشرق الأوسط والمنطقة والعالم من الإرهاب والشروع في الحل السياسي الجدي، حل ترعاه وتسوّقه موسكو بالتنسيق مع سورية بما يخدم مصلحة السوريين.
مجدداً تفرض سورية وروسيا رؤيتهما السياسية بعد أن فرضتا الأمر الواقع على الأرض عسكرياً، ولا شك أن هذه الزيارة سيكون لها ارتدادات تمهد للحل السياسي الذي يتطلع إليه كل السوريين، وقد يبدأ بالإعلان عن منتدى (موسكو3) في القريب العاجل من أجل إعادة ترتيب الأوراق التي يحاول الغرب بعثرتها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن