قضايا وآراء

بايدن.. بين الإستراتيجية العليا والتكتيك الشخصي

| منذر عيد

في المطلق، لا يمكن لرئيس أميركي، أو حزب «ديمقراطي أو جمهوري»، أن يشذ في ممارسة السياسات الخارجية عن إستراتيجية وقواعد عامة وأساسية، تضع المصالح الأميركية العليا في أولى أولوياتها، فتتغير أسماء الرؤساء والأحزاب، وتبقى تلك السياسة ثابتة في سياقها العام، وإن احتفظ كل رئيس بشيء من الحرية في اتخاذ بعض الإجراءات الخاصة، تبقى تلك التغيرات تكتيكاً جزئياً في سياق خدمة الإستراتيجية العامة، لتبقى الكلمة الفيصل للمؤسسات الأميركية، السياسية منها أو العسكرية.
ربما استبشر الكثيرون خيراً، بخطوات الرئيس الأميركي جو بايدن «التكتيكية» الأولى فيما يخص المنطقة، وربما ظن البعض أن رياح التغيير ستجلب خيراً لشعوب المنطقة بعد قرار وقف دعم العدوان السعودي على اليمن، والجنوح نحو عودة أميركا إلى الاتفاق النووي مع إيران، ورفع غطاء الحماية عن اللصوص الذين يسرقون خيرات الشعب السوري، والنفط في سورية، إلا أن تلك البشائر والآمال سرعان ما ذهبت أدراج الخيبات، مع الانعطافة الحادة لبايدن في أرض الميدان، والتي ترجمت بعدوان استهدف مناطق في محافظة دير الزور، وإعلانه جهاراً أن ذاك العدوان كان رسالة مباشرة إلى إيران، ولكن عبر البريد السوري.
بين التفاؤل والخيبات إزاء تصرفات بايدن، ثمة الكثير من التساؤلات والتكهنات، حول ما كان بايدن ينوي اتباعه في سورية والمنطقة، وبينما ما يسعى لسوقه بعد العدوان، ليكون السؤال الأكبر، هل فعلاً كان ينوي إجراء تغيير أساسي في السياسة الأميركية في المنطق؟ وهل وقع سيد البيت الأبيض بفخ مخططات أصحاب الرؤوس الحامية في الولايات المتحدة الأميركية، وداعمي الكيان الصهيوني، وتم جره إلى ذاك العدوان على دير الزور، بهدف قصف الدروب المؤدية إلى الاتفاق النووي مع إيران، ودروب عودة قوات الاحتلال الأميركي من المنطقة «سورية والعراق»، أم إن بايدن أطلق ما أطلقه من تصريحات كبالون اختبار، وتلميحات ابتزاز للمتضررين من تلك القرارات في دول الأعراب، بأن يتحضروا لدفع المزيد للخزينة الأميركية؟.
في نطاق التحليل أن الرؤوس الأميركية الحامية استطاعت جر بايدن إلى «مطب نووي»، خاصة أن أصحاب تلك الرؤوس يعتبرون الاتفاق مع طهران خطأ كبيراً وكارثة سياسية مقنّعة بصورة انتصار دبلوماسي، إذ إن روسيا أكدت أن العدوان الأميركي على دير الزور أسفر عن تعطيل مفاوضات غير رسمية بين واشنطن وطهران، مع تزامنها مع تحضيرات كثيفة لعقد لقاء بين وفود أميركية وإيرانية، الأمر الذي يتوافق ومساعي الكيان الصهيوني لتعطيل الاتفاق، وعودة واشنطن إليه بهدف استمرار حصار إيران وتجويع شعبها، والاعتداء على سيادتها تحت ذريعة مخالفتها القوانين الدولية، خاصة أن رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو صرح سابقاً بأنه أبلغ بايدن بأنه سيمنع إيران من حيازة سلاح نووي باتفاق أو من دون اتفاق.
وبالحديث عن انتصار بايدن لمقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وتأكيد استخباراته أن ولي عهد النظام السعودي محمد بن سلمان أجاز العملية في تركيا لاختطاف أو قتل جمال خاشقجي، فإن ذلك ذهب أدراج الخيبات، وأن تلك الانتفاضة من قبل بايدن لنصرة الديمقراطية وحقوق الإنسان في الشرق الأوسط عامة وفي مملكة آل سعود خصوصاً، ليست إلا تكراراً لسياسة سلفه دونالد ترامب في ابتزاز السعودية ودول الأعراب، ولكن بشكل آخر أكثر حياء، تحت شعار «اللصوصية الأنيقة»، مع تأكيد الإدارة الأميركية أنها لن تعاقب محمد بن سلمان، مبررة ذلك بأن الإدارات الأميركية سواء الديمقراطية أم الجمهورية، وعبر التاريخ لم تفرض عقوبات على قادة حكومات أجنبية ومسؤولين كبار فيها، تبرير لم توفق إدارة بايدن في سوقه لتضليل الرأي العام العالمي، لأن الأسماء كثيرة، بل أكثر من أن تحصى، وآخرها العقوبات التي فرضتها الإدارة الأميركية أمس على عدد من السياسيين المحيطين بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين بحجج غير مثبتة، تزعم تورط موسكو بمحاولة اغتيال المعارض أليكسي نافالني، استناداً لتقرير استخباراتي، مع أن تقريراً أميركياً استخباراتياً مشابهاً، خلص قبل أيام فقط، إلى تورط ابن سلمان باغتيال خاشقجي، وليس محاولة اغتياله كما في حالة نافالني، في تجسيد أكثر من فاضح لسياسة الكيل بمكيالين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن