لم يعد قانون منع ما يسمى «معاداة السامية» يسري فقط داخل إسرائيل أو الدول التي تفرض عليها إسرائيل تبنيه في أوروبا وأميركا وكندا، بل أصبح معتمداً في بعض منظمات الأمم المتحدة وخاصة من منظمة «يو إن ووتش» في جنيف منذ عام 1993 بموجب ميثاق الأمم المتحدة لحماية حقوق الإنسان ويجري التمهيد من أجل فرضه على كل دول العالم.
لعل أهم ما يمكن التعليق عليه عما يسمى «معاداة السامية» هو التعريف الإسرائيلي الصهيوني الذي اعتمدته أكثر من 57 دولة حتى الآن وتستند إليه في محاسبة من يخرقه، وهذا التعريف عممته وزارة الخارجية الأميركية في موقعها الرسمي الالكتروني وجاء فيه: «معاداة السامية هي أي وصف يوجه لليهود في أي مكان أو وسائل إعلام أو مدارس ومواقع عمل وتجمعات يدل أو يشير إلى كراهيتهم سواء بالمخاطبة أم العمل المادي أم النشر أم القول المباشر أم ضد مؤسسات المجتمع اليهودي وتجمعات جالياتها ومواقعها الدينية».
في التفصيل يشرح التعريف أن «أي تنكر لحق إسرائيل قي فلسطين» أو «التنكر لحق اليهود بتقرير المصير فوق أرضهم التاريخية» يعد «معاداة للسامية» يستوجب المحاسبة والعقاب.
وقد جرى اعتماد هذا التعريف من برلمان الاتحاد الأوروبي وأصبح عدد الدول المعترفة به والمستندة إليه 57 دولة وعدد من منظمات الأمم المتحدة وبخاصة منظمة «يو إن ووتش» التابعة لمنظمة حقوق الإنسان في جنيف.
وقد جرى تعميم هذا التعريف رسمياً بكل ملحقاته وتفاصيله على مؤسسات القضاء الأوروبي والادعاء العام ومؤسسات فرض القانون ورجال الشرطة.
وإضافة إلى ذلك تتولى منظمات الجاليات اليهودية المنتشرة في دول كثيرة رصد ومتابعة أي عمل «معاد للسامية» وتقوم بالتبليغ عنه حتى لو وقع قبل سنوات فقد نشرت صحيفة «جروزليم بوست» الإسرائيلية في الثاني من آذار الجاري، أن هيئة إدارة جامعة «فيريسي» التابعة لولاية ميتشيغان الأميركية قررت معاقبة البروفسور في العلوم الطبيعية توماس برينان بالطرد من الجامعة لأنه نشر في خريف عام 2020 في صحيفة أميركية تغريدة ورد فيها عبارة «المافيا اليهودية» وعبارة «الكورونا ثورة يهودية» واتهمته بمعاداة السامية، كما نشرت مجلة «اندبندنت» البريطانية الالكترونية في مستهل آذار الجاري أن إدارة يوتيوب العالمية قررت في 12 تشرين الثاني الماضي أن تحذف فيديوهاً للقسيس الأميركي الأنجيلي ريك ويلز لأنه قال فيه إن «محاولة عزل الرئيس ترامب تعد انقلاباً يهودياً» علماً أن هذا القسيس كان في حفل نقل السفارة الأميركية إلى مدينة القدس المحتلة، وتضيف «الاندبندنت» أن القس روبرت جيفيريس كان قد قال في كانون الأول عام 2019 في حفل لمناسبة عيد الأنوار في البيت الأبيض: إن «جهنم سوف تمتلئ بأناس رفضوا الإيمان بالمسيح» وحدد منهم «المسلمين والهندوس واليهود» ولو أنه لم يذكر اليهود لما جرت محاسبته، ويكشف موقع «دويتشيه فيليه» الألماني الالكتروني أن السلطات الألمانية اعتقلت خمسة مشتبهين بإطلاق مفردات «معاداة للسامية» في كانون الثاني لمحاكمتهم.
يعد التنديد بتيودور هرتزل والحركة الصهيونية وبالكيان الإسرائيلي ووصفه بنظام الأبارتايد العنصري مخالفات جنائية معادية للسامية أيضاً وهذا ما تكرر التأكيد عليه في حفل أعدته منظمة «المؤتمر اليهودي العالمي» لمنح أمين عام منظمة الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس أعلى وسام للصهيونية باسم هيرتزل مؤسس الحركة الصهيونية تقديراً لدور غوتيريس في تبني قوانين معاقبة المعادين للسامية.
بالاستناد إلى كل هذه الحملة على الفلسطينيين والعرب أصحاب الحق التاريخي والقانوني والطبيعي في وطنهم فلسطين، لا يستبعد محللون في إسرائيل من أن تطلب إسرائيل فرض التعريف الإسرائيلي «لمعاداة السامية» على كل دولة عربية عقدت اتفاقاً للتطبيع.
وإذا كان رئيس الجالية اليهودية في ألمانيا قد اتهم قبل أسبوع السلطات الألمانية بالتلكؤ والتقصير في ملاحقة ومحاكمة «الذين يرتكبون مخالفات بعباراتهم المعادية للسامية» فإن أي زائر إسرائيلي أو يهودي إلى أي بلد أقام علاقات مع إسرائيل قد يتهم أي عربي بإطلاق الشتائم ضده ويطالب دولته بمحاكمته أو بتسليمه لإسرائيل لكي تتولى محاكمته هي بنفسها؟ فماذا يفعل الفلسطينيون والعرب إذا قال أحدهم: إن القدس مغتصبة أو فلسطين محتلة على يد الإسرائيليين أو إن إسرائيل تسرق أراضي الفلسطينيين لبناء المستوطنات؟ وهل سيظهر إسرائيلي يطالب بمحاكمتهم بمعاداة السامية؟!