من لا يتألّم لما وصلت إليه الحالة المعيشية في بلده، فليس عليه فقط أن يراجع جيناته العائلية، بل عليه أن يضع نفسه بذات الخانة مع الشامتين، كلاهما تنطبق عليهما الحكمة القائلة: من خلق ليزحف فلن يطير.
أعترف مسبقاً بأننا مهما كتبنا فلن يتبدل في الأمر شيء، فالكاتب بالنهاية ليس سلطة تنفيذية. بذات الوقت مهما حاولنا أن نشرح ما يجري فهناك طرف سيحرد ولن يعجبه هذا الكلام، فالاستناد إلى فكرة المؤامرة هي تبرئةٌ للمتقاعسين وأصحاب العقول الخشبية، والحديث عن البوصلة الحقيقية لسبب هذه المآسي المتمثل بالحصار والحرب بات بنظر البعض رواية مكررة، إذن ما العمل؟ تعالوا لنأخذ دور الحكم ونتحدث عن مثالين اثنين تكرّسا في الأيام القليلة الماضية عسانا نقدّم توصيفاً وسطياً بين طرفين.
أولاً: ما علاقة دولارات الحكومة بالمقاومة؟
نعرف تماماً أن عبارة «سعر الدولار الوهمي» مثار سخريةٍ للكثيرين، تماماً كما هو حبل نجاةٍ للكثير من المسؤولين، وعندما كانت التصريحات الرسمية تتحدث عن أسعارٍ وهمية تقودها صفحات من الخارج كان البعض يسخر من هذا التوصيف، لكن ليس بالسخرية وحدها نهرب من مشاكلنا، هناك لحظات حقيقة علينا أن نقول فيها لكلا الطرفين: توقفوا. على الطرف الذي يحمل شماعة الصفحات التي تدار من الخارج أن يشرح لنا كيف امتلكت هذه الصفحات القدرة على التأثير في الناس لهذا الحد؟ ما الذي امتلكته وما الذي افتقدناه لكي نقف بوجهها؟ البكاء على ما يفعله بنا المتآمرون لن يأت بنتيجة ولن يبدل في الوضع شيئاً. بذات الوقت على الطرف الآخر أن ينتبه لأن هذه الصفحات خلال الأسبوع الماضي مثلاً كان شغلها وعملها ربط سعر الصرف المرتفع بتحميل المسؤولية كاملة لخيار المقاومة، كانوا يردّدون هذه العبارة مع كلّ منشورٍ لدرجة تشعرك وكأنّ كلمة سر واحدة أعطيت لهم، لدرجةٍ بتّ تشعر فيها وكأنك في مهرجان لقوى الرابع عشر من آذار في لبنان. لماذا ينطلق التأليب على الدولة من فكرة المقاومة؟ أليست هي ذات الدولة التي ترفع خيار المقاومة منذ عقود؟ هل كان أحد ينام بلا طعام سابقاً؟
ثانياً: هل هو قطيع الحكومة؟
في الجريمة التي حصلت قبل أيام في ريف السلمية وراح ضحيتها راعيان «على باب الله» كما يقال، كان لافتاً أن مرتكب الجريمة لم يسرق الأغنام، بل قام بقتلها، في القانون الجنائي تحديداً فإن الخيط الأول للوصول إلى الفاعل هو معرفة الدوافع من نتيجة هذه الجريمة، لو أن الدافع هو السرقة لتفهمنا الدوافع انطلاقاً من فكرة الحاجة، لو كان الضحية شخصيات اعتبارية لتفهمنا الأمر لكوننا في حربٍ مع الإرهاب وجميعنا قد نكون ضحايا، لكن ما الهدف من قتل الرعاة وتصفية قطيعهما؟ هل أن القطيع هو ملك للحكومة أم ملك للشعب؟
لست هنا لأبرّر لأحد سقطاته وفشله وهو واضح للقاصي والداني، لكن الحديث عن الفشل شيء، وربط كل ما يجري به لا يختلف أبداً عن غض الطرف على كل ما يتربص بنا، الواقعية تتطلب منا فعلياً أن نوسع الحدقة، ولكن في إطار ما يجري ما الحل؟
الحل واضح وصريح.. أكره عبارة «محكومون بالأمل» لأننا ببساطة نحن من يصنعه.. ولو لم نكن كذلك لما صمد هذا الشعب الطيب كل هذا الصمود.