من دفتر الوطن

حرب الذباب الإلكتروني

| حسن م. يوسف

يحز في النفس حقاً أننا نرفض الفكر العلمي الحديث لكننا لا نتردد في استيراد ما ينتجه ذلك الفكر من مخترعات وعادات وممارسات، وما يحز في النفس أكثر هو أننا غالباً ما نستخدم تلك المخترعات الحديثة في المجالات التي تشوش هويتنا وتربك مجتمعاتنا وترسخ تخلفنا!
قبل حوالي ثلاثين عاماً كان عدد القنوات التلفزيونية في كل البلدان العربية مجتمعة لا يتعدى الثلاثين قناة وطنية. والآن بعد انفجار ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات أصبح عدد المحطات التلفزيونية العربية حوالي 1400 قناة، كان يفترض بها أن تزيد العرب قرباً من بعضهم وفهماً لخصوصياتهم لكنها بدلاً من ذلك زادتهم تشوشاً وانقساماً وتباعداً.
يقال في الصحافة التقليدية: «اقرأ الافتتاحية لتعرف من هو السيد» أي إن من يمول الجريدة هو الذي يحدد توجهها وما يكتبه رئيس تحريرها في افتتاحيتها، والحقيقة أن هذه القاعدة القديمة كانت صحيحة بالأمس، ولا تزال صحيحة اليوم، وستبقى صحيحة مادام هناك من يمتهنون الكتابة، ومن يدفعون لهم المال.
صحيح أن القنوات التلفزيونية والصحف الورقية خسرت نسبة كبيرة من جمهورها مؤخراً لمصلحة مواقع التواصل الاجتماعي ومحركات البحث الإلكترونية، فقد اخترقت الإنترنت المشهد الإعلامي وتسيَّدت عليه، وفرضت نفسها كمصدر للتسلية وللمعلومات، خاصة في أوساط الشباب الذين يفضلون شاشة الحاسب على الجريدة وشاشة التلفزيون.
بعض الشباب ذوي النوايا الحسنة يظنون أن الإنترنت هي الاسم الثاني للحرية، فهم يتصورون أنه يمكنهم أن يقولوا كل ما يريدونه دون أن يتحملوا مسؤوليته. والحقيقة أن الإنترنت ليست فضاء سائباً، لأن كل كلمة يكتبها المستخدم تشهد عليه وتؤدي إليه، ومن يملكون المال والسلطة كانوا ولا يزالون يتحكمون بالمعلومات الأكثر تداولاً. فمستخدم الفيسبوك وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي يستطيع، لقاء مبلغ محدد من المال، أن يعزز Boost لسان حاله بحيث يصل إلى أعداد هائلة من المستخدمين. أما الدول والهيئات الغنية فتلجأ لما هو أخطر وأكثر فعالية أي إلى الـ«بوت» «Bot» أو ما سمي مؤخراً بالذباب الإلكتروني، وهو مشتق من اسم الإنسان الآلي باللغة الإنجليزية «Robot»، والـ«بوت» هو تطبيق مؤتمت مبرمج للقيام بمهام معينة من دون حاجة لأن يقوم الإنسان الذي يستخدمه بتشغيله.
يتكون الـ«بوت» أو الذباب الإلكتروني من مجموعة حسابات آلية مبرمجة على نشر ألسنة حال وتغريدات محددة بهدف التأثير في الرأي العام. وغالبا ما يحاكي «البوت» سلوك المستخدم البشري أو يحل محله. فهو ينجز المهام المتكررة بشكل أسرع بكثير مما يفعله المستخدمون البشريون، ولن نعرف مدى خطورة هذا النوع من البرمجيات إلا إذا علمنا أنه يدير نصف العمليات التي تتم عبر شبكة الإنترنت.
صحيح أن بعض هذه البرمجيات مفيد، مثل تلك التي تدير محركات البحث وتقوم بفهرسة المحتوى أو تلك التي توجه المستخدمين في برامج خدمة العملاء، لكن هناك برمجيات «سيئة» قادرة على محاكاة المحادثات البشرية، هدفها اقتحام حسابات المستخدمين لقرصنة معلوماتهم واستخدام حساباتهم كمنصات لإرسال مواد مؤذية والقيام بأنشطة ضارة أخرى. وغالباً ما تستخدم هذه البرمجيات من قبل «المتصيدين» الذين يقومون بخلق النزاعات وزرع الانقسامات على الإنترنت عن طريق نشر الحزازات الطائفية والمواد التحريضية بهدف شق الصف وزيادة الاستقطاب.
فالحذر الحذر، والانتباه الانتباه! إخوتي السوريين إن أعداء بلدنا يستثمرون بكثافة في مجال الدعاية الإلكترونية، وهم لا يتوقفون عن إطلاق أسراب الذباب الإلكتروني بغية تحطيم معنوياتنا وتشتيتنا، آملين أن يحققوا عن طريق الدعاية السوداء ما عجزوا عن تحقيقه بقوة السلاح.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن