ثقافة وفن

في ذكرى رحيل الفنان عمر حجو … الليث حجو مستذكراً والده: ست سنوات لم تغب صورتك عنّا يوماً

| وائل العدس

«83 عاماً لم تغب فيها حلب عن وجدانك.. كنتَ صوتها وصارت صورتك، 6 سنوات على الرحيل لم تغب صورتك عنّا يوماً، الأب والمُعلّم عمر حجو لروحكَ السلام».. بهذه الكلمات أحيا المخرج الليث حجو الذكرى السادسة لرحيل والده الفنان الكبير مرفقاً بفيديو يظهر فيه صوت والده الراحل وهو يتحدث عن مدينة حلب مسقط رأسه.
«أنا لا أعرف شكسبير ولا غيره، ولم أتلقَّ العلم الكافي، درست في الحارة، وجسدت ما تعلمته منها على المسرح»، هذه كلمات حجو الذي رحل عن عمر 83 عاماً تاركاً وراءه إرثاً كبيراً وتاريخاً عريقاً، وهو من أبرز مؤسسي نقابة الفنانين السوريين في عام 1967.

كان مربياً كبيراً وقد ترك برحيله مساحة فارغة في دنيا الإبداع لن يستطع أحد أن يملأها، بعدما عمل جاهداً على الارتقاء بالفن السوري في مختلف اختصاصاته، وكان الأنموذج الذي يحتذى به بما عرف عنه من حبه ووفائه وإخلاصه لزملائه وفنه، عدا أنه كان مدرسة فنية كبيرة يجب أن تدرّس، وعنواناً من عناوين مرحلة كبيرة عاشها وكان شاهداً عليها، كما أنه شخص مبتكر وصاحب أفكار عظيمة على المستوى الفني، وصاحب أخلاق رفيعة على المستوى الإنساني.
كان إنساناً وصديقاً وأخاً للجميع ومدرسة في الأخلاق الحميدة واحترام قدسية العمل الفني من خلال أدائه وحضوره وعلاقاته مع زملائه الفنانين، فكان يحب الجميع ويحترمهم وكان أكثر من فنان، حتى اعتبره كثيرون مفكراً فنياً ورائداً من رواد الحركة الفنية السورية.

ظروف صعبة

ولد الراحل في مدينة حلب في 31 من آذار 1931، ولم تعرف طفولته طعم الاستقرار، وكان يقطن مع عائلته في منزل صغير مستأجر في أحد الشوارع الفقيرة.
ومع مطلع شهر مُحرم الهجري كانت تبدأ رحلة عائلته للبحث عن موطئ قدم آخر، بسبب اعتقاد لدى فقراء المدينة بأنه إذا غيّر أحدهم بيته في شهر محرم، قد تكون رزقته أفضل في المكان الجديد.
والده عمل سائقاً في إحدى المؤسسات الحكومية، أما والدته فكانت ربة منزل غير متعلمة، لذا أرادت لابنها الأصغر أن يدخل المدرسة على عكس أخويه، وتلبية لرغبتها، دخل عمر المدرسة في وقت متأخر، وراح يتنقل من مدرسة إلى أخرى من دون أن يشده شيء سوى النشاط المسرحي المدرسي.
ظروف العائلة الصعبة جعلت مسيرة تعليمه تقف عند المرحلة الإعدادية.

على خشبة المسرح

بدأ عمر حجو أعماله في المسرح من خلال تأسيسه مع الممثل عبد المنعم إسبر فرقة «الفنون الشعبية» التي قدمت لأول مرة في تاريخ المسرح السوري مسرحيتين جادتين هما «الاستعمار في العصفورية»، و«مبدأ أيزنهاور»، ثم كان حجو أول من أدخل «التمثيل الإيحائي» إلى الوطن العربي من خلال مسرحية «النصر للشعوب» عام 1959 على مدرج جامعة القاهرة أمام أعضاء المؤتمر الآسيوي الإفريقي، كما ساهم الراحل حجو بتأسيس المسرح القومي والتلفزيون السوري في ستينيات القرن الماضي.

في أواخر الستينيات أسس عمر حجو «مسرح الشوك» وقدم أول عروضه في المركز الثقافي الروسي في دمشق، قبل أن يتلقف الفكرة الثنائي نهاد قلعي ودريد لحام، ويقدم الثلاثي أعمالاً مميزة منها «جيراك» و«مرايا»، ومن ثم توجه مع رفاقه الممثلين لتأسيس مهرجان دمشق للفنون المسرحية كأول مهرجان مسرحي في الوطن العربي.
بعد عشر سنوات تقريباً توقفت فرقة «مسرح الشوك» وتابع حجو مسيرته المسرحية مع دريد لحام إضافة إلى الأديب الراحل محمد الماغوط من خلال فرقة «أسرة تشرين»، وقدم من خلال الفرقة العديد من الأعمال «ضيعة تشرين 1974، غربة 1976، كاسك يا وطن 1979، شقائق النعمان 1987».

ولكن المساهمة المسرحية الأخرى المهمة في مسيرة عمر حجو كانت تأسيسه للمسرح الجوال التابع لوزارة الثقافة بالتعاون مع المسرحي الراحل سعد اللـه ونوس والمخرج علاء الدين كوكش.
بقي حب المسرح في عقل عمر حجو، فعاد إليه عبر مسرحية «السقوط»، والتي كانت آخر أعماله المسرحية، وشارك في كتابتها ومثل فيها بالشراكة أيضاً مع دريد لحام وقدماها على مسرح قطر الوطني في عام 2010، قبل أن يطلق مشروع «مسرح الهواة الدائم» في حلب عام 2011 مع مجموعة من الفنانين المسرحيين، كما كان أحد أبطال مسرحية «صانع المطر» في عام 1992.

في لقاء صحفي عام 2004، قال حجو إن «مسرح الشوك» كان تجربة متقدمة في المسرح السوري، وللأسف هي المدرسة التي أغلقها خريجوها.

فن الإيماء

بالعودة إلى التمثيل الإيمائي، وبالتزامن مع العدوان الثلاثي على مصر، بدأ حجو بتقديم أولى مسرحياته مع فرقة هاوية أسّسها في تلك الفترة، ولقيت عروضها صدى وإقبالاً لدى الجمهور. لكن عرض مسرحية «مبدأ أيزنهاور» دعت السفارة الأميركية للاحتجاج عليها بعدما أرسلت موفداً حضر العرض، ما دفعه إلى التفكير في حل يتذاكى فيه على الرقابة، من دون أن يخل بمستوى عروضه، فلجأ إلى فن الإيماء أو «البانتوميم»، وراح يعبّر عن كل ما يريده، وقدّم مجموعة كبيرة من مشاهد البانتوميم تلك، مطلقاً عليها اسم «فواصل موسيقية صامتة»، حتى اكتشف الرقيب الأمر فضيق عليه، وطلب منه أن يضع فكرة كل فاصل مكتوبة على الورق.

البانتوميم فكرة راقت للإعلامي صباح قباني (أول مدير للتلفزيون السوري) فأراد أن يرسل حجو إلى فرنسا ليدرس اللغة، ويتتلمذ على يد زعيم البانتوميم مارسيل مارسو، ومن ثم يعود ليؤسس مسرح بانتوميم في إطار وزارة الثقافة السورية. لكن سوء التنسيق منع تحقيق مشروع قباني، وأجهز على حلم حجو.

في التلفزيون والسينما

يعد حجو من مؤسسي التلفزيون السوري، حيث بدأ رحلته مع المخرج سليم قطايا عندما أنتجا أول مسلسل تلفزيوني هو «ساعي البريد» 1962، ثم قدم مع المخرج غسان جبري «حكايا الليل» 1968 و«تلاميذ المدرسة» 1970 و«دولاب» 1971، وقدم مع دريد لحام مع بداية البث الملون «وين الغلط» و«وادي المسك» وغيرهما.
وشارك الراحل في الدراما السورية بما يقارب 80 عملاً نذكر منها «بريمو» 1973 و«الدغري» 1992 و«خان الحرير» 1996 و«الفراري» و»باب الحديد» 1997 و«الثريا» 1998 و«تلك الأيام» و»حي المزار» 1999 و«سيرة آل الجلالي» 2000 و«بقعة ضوء» و«أيام اللولو» و»مبروك» 2001 و»قلة ذوق وكترة غلبة» و«البيوت أسرار» 2002 و«أنا وعمتي أمينة» و»قانون ولكن» 2003 و»عالمكشوف» 2004 و«خلف القضبان» 2005 و«الانتظار» و«أحقاد خفية» 2006 و«كوم الحجر» و«الهاربة» 2007 و«رياح الخماسين» و«باب المقام» 2008 و«قلبي معكم» 2009 و«البقعة السوداء» 2010 و«أرواح عارية» 2012 و«سنعود بعد قليل» 2013 و«بقعة ضوء10» 2014.

في السينما، وبالتزامن مع ثنائيته الناجحة في المسرح مع دريد لحام أطل عمر حجو بالعديد من الأفلام منها «صح النوم» 1975، «إمبراطورية غوار» 1982، «الحدود» 1984، «التقرير» 1986، «كفرون» 1990.

العمل الأخير

عاد عمر حجو في عام 2015 للعمل مع رفيق دربه دريد لحام من خلال مسلسل «سنعود بعد قليل» الذي أخرجه نجله الليث ولم يكن يعلم أنه سيكون آخر أعماله الدرامية، حيث توفي نهار الأربعاء 4 آذار 2015.
شيع الراحل في يوم وفاته من مستشفى الرازي بدمشق، ودفن في مقبرة باب الصغير بدمشق بحضور فني وإعلامي كبيرين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن