المشهد العالمي خلال عام 2020 كان يشير أن الولايات المتحدة لا تريد أن تفرض دول العالم ضرائب على أرباح شركاتها التكنولوجية الاحتكارية. والألمان يريدون المضي قدماً في صفقة خط أنابيب غاز مع روسيا، والاتحاد الأوروبي يحمي صناعة السيارات من المنافسة الأجنبية، لكنه كان يخشى تهديد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بالشيء نفسه بالنسبة لواردات السيارات الأوروبية، إضافة للتوترات الدائمة بين بكين وواشنطن، هذه كانت بعض العلامات الرئيسة لبدايات الصراع التجاري العالمي.
انسحاب الولايات المتحدة من محادثات متعددة الأطراف للاتفاق على إطار عالمي لضريبة رقمية، دفع بالمشكلة نحو الأسوأ، إذ عملت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية على تنسيق الجهود لتحقيق إجماع عالمي حول فرض ضرائب على الأرباح المتزايدة للشركات الرقمية العالمية بهدف تهدئة الصراع التجاري، لكن الانسحاب الأميركي أجج الصراع.
سياسة الرئيس جو بايدن الخارجية مختلفة، ومع ذلك، كانت تصريحات بايدن المبكرة في مجال السياسة الخارجية تجاه الصين، وفيما يتصل بقيادة الولايات المتحدة مثيرة للقلق والريبة.
الخبير الأميركي في العلوم السياسية والشؤون الدولية والأستاذ بجامعة هارفارد، جراهام آليسون كتب في مجلة «ناشيونال إنتريست» الأميركية: «يمثل صعود الصين التحدي العالمي الأكثر تعقيداً الذي يواجه إدارة الرئيس بايدن، ويرى أنه إذا ما تمكنت الصين، بقيادة الرئيس شي جينبينغ، من تحقيق حلمها، فستزيح بكين واشنطن من كثير من مواقع القيادة التي اعتادت عليها الأخيرة وإذا لم يتم إقناع الصين بأن تتعاون مع الولايات المتحدة، فسيكون من قبيل المستحيل تحاشي اندلاع حرب تجارية».
يكاد مفهوم الحرب التجارية أن يختزل في النزاع الاختلالات التي تسببت في أزمة منطقة اليورو، وانفجارات الديون في الولايات المتحدة وأوروبا الطرفية، والمنافسة بين الولايات المتحدة والصين في هذا المناخ انطلقت الحرب التجارية، كانت سياسة ترامب تبنى على فرض التعريفات والعقوبات المالية من جانب واحد، في محاولة لإجبار دول أخرى على الخضوع لسياساته في عام 2017، رفع ترامب الرسوم الجمركية على واردات صينية قيمتها 360 مليار دولار، وردّت بكين برفع رسوم جمركية.
وزارة التجارة الأميركية أكملت تحقيقاً في كانون الأول 2020 بشأن ضريبة رقمية فرنسية، بحجة أن الضريبة تشكل تمييزاً ضد شركات التكنولوجيا الأميركية. وهددت واشنطن بفرض تعرفات على الجبن الفرنسي والشمبانيا الفرنسية رداً على ذلك. وتحقيق آخر في شهر حزيران 2020، لضرائب رقمية تنظر فيها بريطانيا وإيطاليا وغيرها. وكان الاستنتاج هو نفسه الخاص بالضريبة الفرنسية.
بالمقابل كان هناك نزاع شبيه حول «نورد ستريم 2»، خط أنابيب بحر البلطيق الذي لم يكتمل بعد لتوصيل الغاز الروسي إلى أوروبا الغربية.
كان الأوروبيون يميلون لربط التدهور في العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بترامب شخصياً الذي انتقد بشدة اعتماد أوروبا على الغاز الروسي.
المحللون والمراقبون لا يتوقعون تغيراً في السياسة الأميركية تجاه الصين في عهد بايدن عن سلفه ترامب، لكنها ستكون أقل صرامة وعدائية، وستستمر واشنطن في العمل على إعاقة طموح بكين بالحصول على لقب أكبر اقتصاديات العالم، والمتوقع وصولها إليه في غضون 20 عاماً.
بالمقابل السياسة الأميركية العدائية تجاه الصين أثبتت أنها لن تحقق النتائج أو المردود المأمول، لاسيما بعد تراجع ترامب عن قرار سابق بحظر بعض الصادرات إلى الصين وبعد أن ردت الأخيرة بإجراءات وفقاً لمبدأ المعاملة بالمثل، والقرار الأميركي أدى إلى بقاء المحاصيل الزراعية في أميركا في المستودعات وتضررها بشكل كبير.
إدارة بايدن ستقف في وجه الصين، ربما بأسلوب أكثر عقلانية من الناحية السياسية، بالمقابل سعت واشنطن لاستخدام علاقتها مع أوروبا، خاصة ألمانيا، كورقة رابحة في إعاقة النمو الاقتصادي في الصين، لكن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وارتباطها باتفاقيات مع بكين سيظل عقبة أمام مساعي الولايات المتحدة.
ومن غير المتوقع تراجع واشنطن وبكين عن التنافس، لكنه ربما يرجح مواصلة الحوار للحافظ على التوازن الاقتصادي وقد أعرب وزير الخارجية الصيني وانغ يي، عن أمله في أن «تستعيد واشنطن عقلانيتها».
على الرغم من توقيع اتفاق المرحلة الأولى بين الولايات المتحدة والصين، فإن الحرب التجارية ما زالت «قائمة حتى الآن»، وربما تعد الملف الأخطر والتحدي الدولي الأكثر إرباكاً للرئيس الأميركي بايدن وفق مجلة «فورين بولسي» فإنه مع انخفاض القوة الاقتصادية النسبية للولايات المتحدة، تتقلص قائمة الخيارات السياسية المتاحة أمام صناع السياسة، داخلياً وخارجياً. ستواجه واشنطن تراجعاً كبيراً في دورها في النظام العالمي، وعليها التكيف مع عالم لم تعد فيه أميركا قادرة على توفير الدعم العسكري الأمني للدول الأخرى، أو ملاحقة الصين في تقديم القروض للدول الفقيرة، لتمويل مشروعات النقل والبنية التحتية الرقمية.
وأشارت «فورين بوليسي» إلى أنه عندما تُهدد قوة صاعدة بإزاحة قوة حاكمة، غالباً ما تكون النتيجة حرباً كارثية.
بالمقابل تعد المنافسة التكنولوجية تحدياً مهماً يواجه جو بايدن وأي هزة في سوق التكنولوجيا ستؤدي لتداعيات خطيرة على الاقتصاد الأميركي.
خاصة أن الصين أصبحت محركاً لنمو الاقتصاد العالمي ومنافساً للولايات المتحدة في المجال التكنولوجي، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، وشبكات الجيل الخامس، وتكنولوجيا الاتصالات والخدمات المالية.
لم تكن الهند بدورها تتجه إلى مواجهة مع إدارة بايدن بعد الإعلان عن أقسى الضرائب في العالم على شركات التكنولوجيا الأجنبية.
هذه الضريبة اتخذتها نيودلهي لتأكيد سيطرتها على شركات التكنولوجيا الأميركية، مما يُنذر بحدوث نزاع تجاري مع واشنطن.
إن الموقف المتشدد للولايات المتحدة حيال النمو الصيني لم يكن من صنيعة ترامب وحده، بل هو سياسة إستراتيجية لأميركا منذ سنوات طويلة وقد تستمر العلاقات التنافسية بين واشنطن وبكين، مع احتمالات خفض حدة الصراع نسبياً، وستسعى إدارة بايدن إلى حشد كل الحلفاء لمواجهة الصين لأن الصراع بينهما سيأخذ منحى أكثر شمولية خلال السنوات المقبلة، وسيكون للتحالفات الاقتصادية دور بارز في معادلة التنافسية بين البلدين مما يعني أن العالم سيستمر بسماع قرع طبول الحرب التجارية إضافة للتداعيات الاقتصادية الخطيرة التي خلفتها جائحة كورونا والإرث الثقيل الذي تركه ترامب، فإن فترة ولاية بايدن ستكون أصعب بكثير من المُتوقع.
بايدن يُرَوج لفكرة أن «أميركا عادت» كزعيم عالمي أوحد، والواقع أن العالم يعود الآن إلى التعددية القطبية… السياسة الأميركية العدائية تجاه الصين لن تحقق نتائج تذكر… يبدو أن بايدن يُطَرب بقرع طبول الحرب التجارية؟