من دفتر الوطن

تحت الهوا!

| عصام داري

في هذا المكان كتبت قبل أسبوع تحت عنوان: (معكم على الهواء) وتحدثت عن البرامج الناجحة التي تقدمها الفضائيات العربية، وبشكل خاص برامج المنوعات والمعلومات واللقاءات الفنية والعلمية وسوى ذلك.
عندما كنت أكتب تلك الزاوية تذكرت عبارة معروفة في كل الفضائيات وهي عكس معكم على الهواء، وأقصد تحت الهواء، أو تحت الهوا!
وتحت هذه العبارة المختصرة يمكنكم تخيل ما لا تتوقعونه، قبل ما تتوقعونه، وأبسط شيء هو أن يحصل متصل ما مع طبيب أو خبير أو مسؤول على رقم هاتفه لعرض موضوع ما عليه له خصوصية ما لا يجوز الجهر بها على الملأ، مع كل ما يعنيه ذلك من تشعب الحديث والتعمق فيه وربما يتحول هذا الحديث إلى صداقة أو حب أو حتى زواج! نعم لا تستغربوا ذلك لأن كل شيء صار ممكناً، ألا تعرفون أن علاقات الحب والزواج تشعلها كلمة عابرة!.
هذه من الأمور البسيطة، لكن هناك أمور أكثر عمقاً وأهمية وربما خطورة تحدث (تحت الهوا) ومن يعمل في الإذاعة والتلفزيون يعرف عن أي شيء أتحدث.
وقبل الإشارة إلى بعض الأمور التي تحدث تحت الهواء، دعوني أتحدث عن الأمور التي تحدث حتى قبل الوصول إلى القناة الفضائية والدخول الميمون إلى الاستديو، فأكثر المصاعب والعقبات التي يوجهها أي معد إن كان في البرامج الحوارية السياسية والاجتماعية والثقافية، والأهم في البرامج الخدمية، وخاصة في الظروف التي يمر بها بلدنا هذه الأيام.
في هذه الحالة يعتذر هذا المسؤول أو ذاك عن الحضور لأسباب ما أنزل اللـه بها من سلطان، وكأن حل مشاكل وأزمات وهموم الوطن والمواطن جميعها تقع على عاتقه وحده، ويبرر هذا الامتناع والتمنع بأنه لا يملك معلومات جديدة للتحدث عنها أو طرحها، وبعد الاعتذار يصبح الاتصال معه من رابع وخامس وعاشر المستحيلات، فهو يغلق هاتفه المحمول، ولا يرد على الهواتف الأرضية وتصبح الهواتف والمسؤول نفسه خارج التغطية!
وعندما يوافق على مضض يشترط على المعد الاطلاع على الأسئلة مسبقاً، والموافقة على هذا السؤال ورفض وجود ذلك السؤال، وعندما يحضر يعطيك معلومات غاية في الأهمية، لكنه يقول لك: هذه المعلومات لك فقط وليست للنشر، متذرعاً بالمصلحة العامة!
خلال عملي في الإعلام كنت أرفض إعطاء الأسئلة للذين أحاورهم، ولو أدى ذلك لإلغاء اللقاء، فالصحفي ليس مضطراً لتنبيه المسؤول أو الضيف لما ينتظره من أسئلة فهذا الأمر يفقد أي حوار عنصر المفاجأة والجاذبية، وأي شخص يرضى أن يجري حواراً يجب أن يكون مقتدراً وقادراً على الرد على أي سؤال مهما كان صعباً أو محرجاً!
وعلى سبيل المثال أذكر بعض الإعلاميين البارزين الذين نجحت برامجهم ونالت جماهيرية واسعة منهم: محمود الخاني ونذير عقيل ومروان صواف وبسام الغبرة وعدد آخر لم يسمحوا للضيف بالحصول على الأسئلة مسبقاً، أو أن يفرض طريقة وسير الحوار.
اليوم نادراً ما نجد ضيفاً لا يطلب الأسئلة مسبقاً، وهؤلاء قلة للأسف، ولكنهم هم الأكثر تمكناً من المعلومات التي تحت أيديهم والأكثر قدرة على الإقناع.
هل ضعف أداء معظم الضيوف يعني شيئاً للناس؟.. وهل المبررات التي يسوقها هذا الشخص أو ذاك تقنع المواطن الذي ينتظر أجوبة.. ولا من مجيب؟.. وهل نعود لأغنية فيروز ونغني معها على طول الخط: ما في حدا لا تندهي ما في حدا؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن