رجلٌ ذو حسٍّ أدبي مرهف وذائقةٍ فنيةٍ عالية؛ طغت عليه السياسةُ فحبسته بين جدرانها أنشأته زعيماً سياساً فذَّاً ووطنياً مخلصاً صاحب مواقف وطنية مخلصة، ومال إلى الاقتصاد فأسَّسَ المعامل والشركات، واستحوذ عليه العلم فغدا عضواً في المجمع العلمي العربي، ورئيساً لمعهد الحقوق… كل ذلك وغيره كان مما غيَّب بعض قريحته؛ فعرفه الكثيرون على أنه فارس وطني وسياسي بارع ورجل قانون واقتصاد، وغاب موقعه الأدبي.
إنه فارس الخوري ذاك الرجل الكبير الذي اشتُهر بالوطنية والإخلاص وحمل هموم الوطن والأمة.
وعلى الرغم من ذلك فقد كان فارس الخوري حين يقف على المنابر بطلاً من أبطال القوافي وفذاً من أفذاذ الشعراء وفحلاً من فحول الأدب.
نشرت له الصحف والمجلات في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي عشرات القصائد.
طرق الشاعر فارس الخوري أبواباً عديدة من أصناف الشعر، فقد هجا السلطان العثماني عبد الحميد بقصيدة تجاوزت الستين بيتاً، وذلك بعد خلعه في عام 1909، ومما يقول فيها:
الله أكبرُ الظلامُ قد علموا
لأي منقلبٍ يُفضي الألى ظلمـــوا
لقد هوى اليومَ صرحُ الظلمِ
وانتفضت أركانهُ وتولتْ أهلَهُ النقمُ
فكم شكونا ولم تسمعْ شكايتَنا
وكم دعونا، وحظُّ الدعوة الصممُ
كذلك طرق فارس الخوري باب الرثاء، وذلك حين قام جمال باشا السفاح عام 1916 بإعدام شهداء السادس من أيار، هزت هذه الفاجعة الشاعر الخوري ورثاهم بقصيدة تجلت فيها شاعريته بأبهى معانيها: ومما قاله فيها:
أبكي ومعذرةً عيني إذا ذرفت
على الغطاريفِ منها والأساطينِ
بيضُ الصحائفِ ماهانوا ولاغدروا
أنقى وأطهر من زهرِ البساتين
على أن من أجمل قصائده وأرقها القصيدة التي قالها في زوجته… فقد تزوج فارس الخوري عام 1909 من ابنة أخت شريكه في مكتب المحاماة أسماء جبرائيل عيد، وهي من أهالي عكا وقد تعلق بها كثيراً بعد أن غدت شريكة عمره، وفي عام 1916 سجنه جمال باشا بتهمة التآمر على الدولة العثمانية ثم نفي إلى استانبول، وهناك في السجن كتب قصيدة إلى شريكة عمره، ويقول فيها:
لله دركِ ما أحلى مزاياكِ
وما أعزَّكِ في نفسي وأسماكِ
لقد تعلمتُ منكِ الحبَّ أجمعَهُ
حتى تعلمَ قلبي كيف يهواك
عندي من شوق نيرانٍ مضرمة
وليس يطفئُها في الناسِ إلاكِ
عندي من الحبِّ آياتٌ مفصلةٌ
ما كنت أعرفُ معنى الحبِ لولاكِ
عندي من الوجدِ ما لو تعلمين به
لطالَ ليلُكِ واشتدت بلاياك
وبعد: كان فارس الخوري شاعراً مبدعاً ذا حس مرهف وعاطفة جياشة، لكن مشاغله السياسية جعلته يتجاهل موهبته الشعرية، فخسرناه شاعراً محلقاً كبيراً يقف إلى جانب فحول الشعراء، لكن الأمة كسبت زعيماً وطنياً يقارع الاستعمار ويذود عن حياض الوطن.
توفي فارس الخوري في عام 1962 عن عمر يناهز 89 عاماً.