قضايا وآراء

تحالف الإخوانية والوهابية.. «الغراب التركي» واليمن

| منذر عيد

أين وجد الخراب، فتش عن «الغراب التركي»، ذلك ليس من باب التجني على النظام التركي، بقدر ما هو توصيف لحقيقة سياسة طالما اتبعها رجب طيب أردوغان منذ بدء ما يسمى «الربيع العربي» قبل أكثر من 12 عاماً، فكان الذراع الإخوانية المدمرة في كل بقعة من المنطقة شهدت أحداثاً وتغيرات في مجرى السياسة العامة، فتدخل في شؤون مصر، وأرسل مرتزقته الإرهابيين إلى ليبيا، وتخندق مع التنظيمات الإرهابية في سورية، وهو من احتل أجزاء من الأرض السورية، اصطف إلى جانب مشيخة قطر في وجه «الإخوة الأعداء»، وركب صهوة الطائفية وقاتل إلى جانب أذربيجان ضد أرمينيا، ولم تسلم الصومال من شر مرتزقته وتدخلاته.
أردوغان الذي حول بلاده إلى مؤسسة عسكرية تجارية، يستخدمها في إثارة النزاعات في دول المنطقة لمصالح شخصية إخوانية، ولإحياء حلم السلطنة العثمانية، وليتربع على كرسي عرشها «خليفة للمسلمين»، يطور من عملية استثماره في «المؤسسة الإرهابية» ، ويمدها أذرع مصالحة مع «أعداء» الأمس، وجسراً لإعادة العلاقات مع خصوم فصل بينهم لسنوات خلت «ما صنع الحداد»، لتشي الأخبار بأن مندوبين عن استخبارات النظام التركي، بدؤوا بالتواصل مع ما يسمى «الجيش الوطني» الإرهابي في إدلب للبدء بعملية تسجيل أسماء الراغبين، بهدف نقلهم إلى محافظة مأرب باليمن، للقتال إلى جانب حزب الإصلاح، الذي يمثل ذراع الإخوان المسلمين في اليمن، حيث يتوقع أن يتم نقل 300 إرهابي مرتزق سوري إلى اليمن خلال أيام.
رغم تصنيف «الإصلاح» منظمة إرهابية من النظام السعودي، إلا أن الحقيقة تجافي ذلك طالما كان ومازال النظام السعودي، الحاضنة التاريخية للحزب ، ويشكل ركيزة رئيسة لنفوذ السعودية في اليمن، ومن هنا يرى الكثيرون أن إرسال النظام التركي المرتزقة للقتال إلى جانب «الإصلاح» إنما هي رسالة تودد إلى النظام السعودي، وإشارة الى نيته فتح صفحة جديدة مع «آل سعود»، الأمر الذي لم يخفه المتحدث باسم رئاسة النظام التركي إبراهيم كالين، عندما قال بالأمس، إن تركيا يمكنها فتح صفحة جديدة في علاقتها مع مصر وعدد من دول الخليج، (من دون أن يحدد اسم أي دولة)، من أجل المساعدة في تحقيق السلام والاستقرار الإقليميين، وليأتي كلام كالين بعدما كشفت مصادر يمنية مطلعة تفاصيل تفاهمات سعودية تركية جديدة بشأن اليمن، بعد استعانة الرياض بأنقرة لدعمها في الحرب هناك، وهو ما أكده المغرد السعودي الشهير «مجتهد» وعلق قائلاً: «أخيراً ابن سلمان يضطر صاغراً للاستعانة بتركيا في اليمن، وتركيا تقبل بشروط تغيظ الإمارات».
تؤكد تطورات الأوضاع في اليمن، صعوبة أن يكون للنظام التركي أي دور مزعوم لحل الأزمة فيه، فما أوصل اليمن إلى ما هو عليه لم يكن سوى التدخلات الخارجية في شؤون أبنائه، إضافة إلى كثرة التحالفات والاصطفافات الخارجية لتقوية الشعب اليمني بعضه على بعضه الآخر، بهدف إضعاف الطرفين، وسرقة خيرات ذاك البلد الذي يعاني أصلا الكثير من الأزمات والمشاكل، ومن هذا الباب لا يمكن فهم إرسال النظام التركي مرتزقته للقتال إلى جانب «الإصلاح» إلا من باب توتير الأوضاع، وتعقيدها وأخذ البلاد إلى المجهول، وحسب «عقلية أردوغان الإخوانية» فإن ذلك انتقام لأسلاف أردوغان من السلاطين العثمانيين، وهو ما سمّاه الأتراك «مقبرة الأناضول»، فقد كانت خسائرهم البشريّة فيه تعدّ أكبر الخسائر بالنّسبة إلى أيّ قوة غازية حاولت احتلال اليمن، فالوثائق التركيّة الرسمية تُشير إلى أنّ 300 ألف جندي وضابط وقائد من جيش الدولة العثمانية قتلوا في اليمن، كل ذلك يجعلنا لا نستغرب التقاء «الإخوانية» و«الوهابية» في خندق واحد فوق تراب اليمن.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن