قضايا وآراء

في عراقنا «ناتو»

| أحمد ضيف الله

في الـ18 من شباط 2021، وبشكل مفاجئ، ومن دون أي مقدمات، قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي «ناتو» ينس ستولتنبرغ خلال مؤتمر صحفي عقده في ختام اجتماع وزراء دفاع «ناتو»: «بحثنا اليوم قرار توسيع مهمة «ناتو» للتدريب في العراق، لدعم القوات العراقية، والتأكد من أن داعش، لن يعود»، مبيناً أن «القرار يقضي بزيادة عدد أفراد بعثة حلف شمال الأطلسي في العراق من 500 إلى 4000 شخص»، وأنه «بفضل هذا القرار ستشمل برامج التدريب لـ«ناتو» المزيد من المؤسسات الأمنية العراقية والمناطق خارج العاصمة بغداد»، مؤكداً أن «مهمتنا جاءت بناء على طلب الحكومة العراقية»، وأن «ذلك يتم مع الاحترام الكامل لسيادة العراق ووحدة أراضيه»!
إن وجود القوات الأجنبية أو زيادة عديدها، لا يمكن أن يتم من دون الحصول على موافقة الحكومة العراقية وتصديق مجلس النواب على ذلك. وحتى تاريخه لا يوجد نص أو اتفاقية تحدد عدد القوات الأجنبية في العراق، سواء كانت أميركية، أو من قوات التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش أو من حلف «ناتو»، ما يعني أن زيادة أعداد قوات «ناتو»، إنما هي احتلال بوجه آخر، وخاصة أن مجلس النواب سبق أن قرر في جلسة استثنائية في الـ5 من كانون الثاني 2020، إخراج جميع القوات الأجنبية من العراق، بالتالي فإن قرار حلف «ناتو» بزيادة عديد قواته في ‏العراق هو إجراء مخالف لإرادة الشعب العراقي وقرار مجلسه النيابي. وقد أكد وكيل وزير الخارجية العراقية نزار الخير الله، خلال مداخلة في الندوة الحوارية التي أقامتها مستشارية الأمن القومي في الـ25 من شباط 2021: إن «مهام حلف «ناتو» تقتصر على التدريب وأن العراق لم يبرم أي اتفاق مع حلف «ناتو» بل كانت هناك رسائل متبادلة عن حاجة العراق للدعم في مجال المشورة والتدريب».
قبل ثلاث سنوات، وفي الـ15 من شباط 2018، أعلن ينس سوتلتنبرغ ذاته، عقب اجتماع وزراء دفاع حلف «ناتو» في بروكسل عن قرار إرسال بعثة للعراق «لن تكون قتالية، وإنما ستكون ذات طابع تدريبي، بهدف المساعدة في رفع كفاءة القوات العراقية»، لأنه «من الخطر ترك العراق مبكراً، فلو فعلنا ذلك الآن قد نضطر إلى العودة مستقبلاً والانخراط في معارك، وهذا ما لا نرغب فيه». وكنت قد بينت في مقالة سابقة لي في صحيفة «الوطن» «العدد 3346 تاريخ 26/2/2020»، أن هذا القرار جاء نتيجة للضغوط المكثفة التي مارستها الولايات المتحدة على الحلف الأطلسي «ناتو»، «بهدف دفعه إلى لعب دور أكبر في العراق، كبديل احتياطي إذا ما أجبرت القوات الأميركية على سحب قواتها من العراق».
إن قرار «ناتو» الأخير، هو في الأساس مبني على دعوة للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى إعادة تموضع القوات الأميركية في العراق بانسحاب قسم منها، وعلى هذا الأساس شجعت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن حلفاءها الأوروبيين على تحملهم معها أعباء القوات الأميركية الموجودة في العراق، وهكذا جاء القرار. فالولايات المتحدة الأميركية أصبحت تدرك جيداً حجم الرفض لوجود قواتها في العراق من قبل مجلس النواب والقوى السياسية والشعبية العراقية، ومدى الضغوط والأخطار التي باتت تتعرض لها قواتها جراء عمليات قوى المقاومة العراقية اليومية، ولهذا سعت من خلال زج حلف «ناتو» في العراق بزيادة عديد قواته من 500 إلى 4000 عنصر، بدعوى تدريب القوات الأمنية العراقية! ليتطابق ذلك مع الوعود الأميركية بوضع جدول زمني لسحب قواته من العراق، الذي ستتم مزامنته مع زيادة عدد قوات «ناتو»، لتقوم بالمهام ذاتها التي كانت تقوم بها القوات الأميركية في العراق وسورية بحجة محاربة تنظيم داعش.
تصريح الرئيس الأميركي جو بايدن في الـ19 من شباط الماضي، بأن «حلف شمال الأطلسي تولى مهمة تدريب ‏القوات العراقية، وأي هجوم عليه يعد استهدافاً لواشنطن»، يؤكد النهج العدواني المستمر الذي تمارسه كل الإدارات الأميركية بمختلف تشكيلاتها. فأساس المشروع الأميركي في العراق والمنطقة هو الاستمرار في إثارة الفتن والقلاقل وتسهيل نهب واستنزاف المقدرات الاقتصادية للعراق ودول المنطقة بأدوات محلية عميلة. وقوات «ناتو» ما هي إلا قوات أميركية تسعى إلى تثبيت سيطرتها وتدخلها في العراق والمنطقة، من خلال منظومة أكبر وأوسع، وبغطاء دولي، تحت عباءة الـ«ناتو».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن