من دفتر الوطن

تحرُّش.. بعونِ الله!

| فرنسا- فراس عزيز ديب

في الدولِ التي تعيشُ الترفِ الفكري، يكثرُ الحديث عن الآليات العملية للحد من آفتي العصر، التحرش والعنصرية، وللأمانة فإن الآفتين ازدادتا بشكلٍ مرعب من دون الوصول إلى نتيجةٍ منطقية تُحدِّد الأسباب، وتقلّل حدة الضياع.
في العنصرية، يبالغُ البعض في توصيفِ أيّ رأي على أنه عنصري، فإن قلتَ إنك لا تحب كرة القدم النسائية مثلاً فهناك من سيتهمُك بالعنصرية الجنسية، حتى الدعابة بينَ الأصدقاء باتت أشبهَ باللغم، فاللاعب الذي قام بإعادةِ نشر صورة صديقه في الفريق من ذوي البشرة السمراء ووضع بجانبها حبةَ قهوةٍ سوداء نشرها من باب الفكاهة، حتى اللاعب الآخر تقبلها، لكنهُ تعرضَ للهجوم من المنظمات المناهضة للعنصرية فأجبرت الاتحاد الانكليزي على معاقبتهِ، اليوم وبعد المقابلة الشهيرة للأمير البريطاني المطرود هاري وزوجته ميغان وحديثهما عن العنصرية التي تعرضت لها زوجتهُ من قبلِ الأسرة الحاكمة بسببِ جذورها، وصولاً إلى حرمان ابنها من لقبِ أمير سنسأل تلك الجمعيات:
هل ستضغطون على المشرِّع البريطاني ليعاقبَ مرتكبي هذا الجرم العنصري أسوة بلاعب كرة قدم؟
أما في التّحرش، فلا يخفى على أحد تكاثر الجمعيات التي تشجِّع النساء على الحديث عن تجاربهن، لكن حتى هذه الجمعيات تبدو نوعاً ما تمارس نوعاً من العنصرية، أليسَ هناك رجال يتعرضون للتحرش؟ ماذا عنهم؟
في مجتمعاتنا، وبعد الفيديو الذي دارَ مواقع التواصل الاجتماعي وفيهِ يبدو رجل خمسيني يقوم باقتياد طفلة تمهيداً لاغتصابها، تبدو الكثير من الحقائق والمسلَّمات عن التحرش وكأنها سقطت، لنذهبَ نحو بديهيةِ أن المجتمعات جميعها تشترك في نقطة واحدة هي غموض السبب الحقيقي الذي يدفع المتحرِّش لهذا العمل المشين.
أولاً: لا علاقة لشكلِ المجتمع وتركيبتهِ ولا حتى التعلم بنمو ظاهرة التحرش، حتى ما يُعرف لدينا بفكرةِ الكبتِ الجنسي الناتج عن فصل الذكور عن الإناث في الكثير من مراحلنا التعليمية هي فكرة ليست مكتملة، وإلا فلماذا تكثر هذه الظاهرة في الغرب كما مجمعاتنا؟
ثانياً: لا علاقة للرادعِ الديني بقصص كهذه، فمن يرى الحساب الشخصي للمتحرش المصري فسيظنّ وكأنهُ داعية إسلامي، أكثر من ذلك فإن أوروبا مثلاً شهدت الكثير من حالات اغتصاب وتحرش بالأطفال في الكنائس أبطالها رجال دين، هذا يعود بنا إلى الفكرة الجوهرية التي لا تعجب أولئكَ الذين يظنون أنَّ الله لم يهدِ سواهم، بأن الأخلاق سابقة للأديان وليس العكس!
ثالثاً: المبادئ السائدة، هنا قد نبدو كمجتمعات شرقية نتفرد بها وللأسف هناك من لا يزال يدافع عنها، قد نبدأ بمفهوم «الغفران» الذي تحول إلى سلعة تجارية تحيلُ صفحتكَ بيضاء خالية من الذنوب، وقد لا ننتهي بالإصرار على جواز الدخول بالقاصرات وتشريعهِ، هناك من يتحدث عن هذا الجواز بعمرِ تسع سنوات، من دون أن يدرك أن تشريعها هو عملياً تلبية لطلبات الشذوذ التي يمتلكها البعض لا أكثر.
في الخلاصة: سيبقى التحرش والعنصرية من أقسى الآفات التي تتغلغل في المجتمعات من دون أن نشعر، لكن حذارِ ثم حذارِ من أن نتجه ولو قيدَ أنملة لكي ندين الضحية لنبرئ المجرم، أليس هناك من يحمِّل مسؤولية التحرش للباس المرأة! حقيقة فإن أمثال هؤلاء يحتاجون للشفقة أو لمشفى الأمراض العقلية لا أكثر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن