ثقافة وفن

الـ «الأنا» في «جوليا دومنا» تقابلك بالأفكار والمشاعر … تشكيلي متنوع الكفاءات والمهارات الإبداعية بمجموعة «باريوتا»

| سوسن صيداوي - تصوير طارق السعدوني

أن تكون خلاقاً ومبدعاً، وصاحب كل تجدّد في كل ما هو جميل للمشاهدة، بل أكثر مما جمعت (باريوتا) -في معرضها السنوي الثاني، والتي تعني بالآرامية الخلق والإبداع- من الألفة والمحبة بين أحد عشر فناناً تشكيلياً، تحاوروا وتناغموا في أعمالهم الفنية والتي تنوعت بين الرسم والنحت، وقدموها لنا في معرض (أنا)، في دعوة منهم ليس فقط لتتذوق أنت الجمال أو لتأخذك الدهشة إلى عوالم بعيدة جداً عن حاضرنا القاسي، بل من المهم أن تقابل الأعمال وتقف أمامها كما تقف أمام ذاتك، لتجد (أناك) الخاصة، ولتشعر بالكثير ولتفكر بالأكثر. في أعمال غنية بالمضامين وبالمواضيع ومتفاوتة بالأحجام للفنانين: إسماعيل نصرة، بشير بدوي، جان حنا، جمعة نزهان، فارتكيس بارسوميان، شادية دعبول، عمار شوا، غسان عكل، نعمت بدوي، نهى جبارة، نور الزيلع.
وتجدر الإشارة إلى أن معرض (أنا) افتتح في فندق جوليا دومنا في دمشق وسيستمر حتى الثامن عشر من شهر آذار الحالي، وإليكم المزيد حوله بالوقوف عند الأعمال وأصحابها من بعض الفنانين التشكيليين.

(أنا) اسم المعرض

بيّن الفنان التشكيلي جان حنا بأن فناني مجموعة (باريوتا) اتفقوا بأن يكون اسم المعرض السنوي الثاني لها هو(أنا)، ليضيف «(أنا) هو حوار بين الفنان وأعماله من جهة وبين المشاهد من جهة أخرى، والأخير الذي هو من ضمن دائرة التنوع المطروح، فمن خلال ما يرى، هو يشاهد نفسه بين الفنان وعمله التشكيلي، بمعنى أن المشاهد حاضر باستقبال أفكارنا ومشاعرنا ولكن يراها بحسب مكنوناته الخاصة».
وعن مشاركته أضاف حنا: إنه اشتغل ثلاثة أعمال متفاوتة الأحجام، بورتريه لفتاة، إضافة إلى لوحتين استوحاهما من حارات دمشق القديمة وخصوصاً أنه كان كثير التجوال والتصوير فيها للحارات، الأمر الذي كوّن لديه فكرة مختلفة عن أعماله القديمة، ليتابع «نعم الألوان حاضرة بقوة في عملي الحارات الدمشقية القديمة، والسبب في ذلك النظرة نحو المستقبل الذي يجب أن يكون مشرقاً بإذن الله».

باريوتا لا تُثني عن المعرض الفردي

توقفنا بداية مع الفنان التشكيلي غسان عكل الذي حدثنا عن مجموعة (باريوتا) التي تضم شباباً من التشكيل السوري، الذين يسعون بشكل جاد لتقديم الفن التشكيلي الحديث بطريقة لائقة ومعبرة عن جمال السوريين وغنى إبداعهم، متابعاً: «نحن في معرض (أنا) السنوي الثاني لمجموعة (باريوتا) التي تأسست وانطلق من الصداقة والمحبة بين الفنانين التشكيليين، بهدف إغناء مهاراتنا وتطوير إبداعنا من بعضنا وبالشكل الداعم لبعضنا».
وفي سؤال «الوطـن» إن كان هذا الاجتماع بين الفنانين سيقصيهم عن إقامة المعارض الفردية، تحدث عكل «على العكس، فهذا الوجود لا يثنينا أبداً عن إقامة المعارض الفردية، فكل منا يحضر لمعرضه الخاص وأنا بصدد أن أقدم معرضي الخاص في عام 2022 بإذن الله، ولكن المعرض الفردي يحتاج وقتاً طويلاً من التحضير، ولابد أن نبقى ونتابع الجو التشكيلي الحاضر».
أما عن مشاركة الفنان ختم حديثه بأنه قدم لوحتين هما «الحكواتي» و«المومس»، وفي كل لوحة هناك قصص تحكي عن أعماق الشخصية المختارة.

الجمال نتاج عزلة الحظر

أشار الفنان التشكيلي جمعة نزهان أن هناك تناغماً كبيراً احتضنته مجموعة (باريوتا) التي ينتمي إليها فنانون من كل المناطق السورية، الأمر الذي انعكس على الأعمال المقدمة في المعرض، مضيفاً: «لقد وجهت من خلال صفحتي على الفيس بوك، دعوة للجمهور كي يشاركنا بحضور المعرض للتمتع بالجمال الحاضر فيه، فكتبت على حسابي الخاص على الفيس بوك (تعالوا أصدقائي لنحيي الأرض بعد موتنا) في إشارة إلى ضرورة الاستمرار بالحياة مهما بلغت من الواقع المطبات والمفروضات». وحول أعماله تابع حديثه «لربما الجمال الحاضر بالمعرض سببه العزلة التي فرضها حظر وباء كورونا، بالجلوس في المنزل معظم الوقت، الأمر الذي اضطرنا للعمل بجهد أكبر كي ننسى الألم الكبير المحيط بكل شعوب العالم، وفي معرض (أنا) اشتركت بعملين (عشق أخضر) وهي تمثل بورتريه لفتاة خلفها شجر الليمون، ولوحة (عازفة البيانو)، وكان أسلوبي ذاهباً نحو الغرافيك والرسم بالأبيض والأسود، على حين الأعمال الحاضرة هنا مختلفة وفيها عودة للواقعية. وكل هذا الجمال هو نتيجة حبنا لدمشق ولوطننا الغالي، على أمل أن نتجاوز المطبات التي أقحمنا بها في القريب العاجل».
وأخيراً وعن البورتريه نفسها التي رسمها الفنان التشكيلي جمعة نزهان والفنان التشكيلي جان حنا، أشار نزهان إلى أن كلاً من هذين العملين هو نتيجة نوع من المسابقة أو المناقسة الودية، ليقدم كل واحد منهما لوحته وفق أسلوبه الخاص، لافتاً إلى أن الجمهور أحب الأعمال ولكن قلّة منهم من انتبهت وجاءت لتستفسر عن التشابه بين العملين «فهذا أمر طبيعي، وهي حالة مثلها مثل أي موضوع يرسم العديد من الفنانين، ولكن لكل واحد أسلوبه وطريقته».

باريوتا تُغني تجاربنا

في جانب الأعمال النحتية المشاركة في المعرض توقفنا عند الأعمال الأربعة للنحاتة شادية دعبول، والتي تحاكي بها واقع المرأة بحالاته المختلفة، لتتابع حديثها: «يجمع المعرض أحد عشر فناناً، ثلاثة نحاتين وثمانية تشكيليين. أنا مشاركة بأربعة أعمال تحكي عن وحي الواقع الذي نعيشه، وهي تمثل المرأة بحالات متفاوتة، وصنعت المنحوتات من مواد مختلفة ومتنوعة منها المعادن والمعجونة الملونة».

وفي سؤال «الوطـن» أين النحاتة دعبول من جمالية اللقاء وتعاون العمل بين فناني مجموعة (باريوتا)، وبين الشغف وضرورة إقامة معرض فردي خاص؟ جاء جوابها «بصراحة ما يدفعني للمشاركة الأمران معاً، فالاندماج مع الفنانين أمر جميل جداً لأنه يُغني تجاربنا، وأيضاً لابد من الإشارة إلى أن التجربة الفردية الشخصية جميلة جداً وضرورية للفنان ولكنها تحتاج وقتاً طويلاً من التحضير والتفكير، ومن الضرورة أن يبقى الفنان حاضراً في الساحة من خلال أعماله المقدمة سواء بالمشاركة بالمعارض الجماعية أم الفردية».

الفكر الواحد لا يتقدم

في الختام توقفنا عند مشاركة الفنانة التشكيلية نهى جبارة، التي استقت أعمالها من التراث، مصورة المرأة تجلس خلف النافذة الدمشقية، في أسلوب فيه الكثير من الإضافات عما اعتدنا عليه من فنانتنا، لتشرح أكثر «أنا شاركت بعملين استقيتهما من التراث، وأغنيت تجاربي الحالية بإضافة الكثير من العناصر التي توسع حدودي في العمل، من خلال امرأة تجلس أمام نافذة دمشقية تنظر نحو الأمل والقادم عبر الأفق».
مؤكدة في ختام حديثها على أن الاندماج مع الفنانين في مجموعة (باريوتا) يُغني بصرياً وفكرياً «فالفكر الواحد لا يمكنه أن يتقدم، والتعاون عبر المناقشة والمحاورة بالأعمال تدفع الفنان نحو التطور، بمعنى أن العمل مع المجموعة أمر محفز، والفكرة بوجود الفريق تبدأ صغيرة لتصبح مشروعاً يتطور بطريقة غنية جداً، من دون أن نلغي ذاتنا من فكر ومشاعر، لأن اللوحة هي مرآة الفنان وخلاصته الكاملة، والتي يأتي الجمهور عبر معرض (أنا) كي يكونوا في المسافة بين اللوحة وبيننا كفنانين وبين أنفسهم، ليروا عبر الأعمال المشاركة في المعرض ذاتهم الخاصة».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن