يُدرك الجميع أن الفساد انتشر في بلادنا انتشاراً واسعاً وفي جميع مؤسسات الدولة واخترق مؤسسة القضاء التي يفترض أنها المعنية بمحاسبة الفاسدين والمفسدين، وبالطبع لا أقصد جميع القضاة؛ فهناك قضاة كُثر نؤوا بأنفسهم عن مغريات الفساد ومروجيه وحافظوا على نزاهتهم والأمانة التي يحملونها؛ لكن يتعذر علي تحديد نسبة هؤلاء وأتمنى أن لا تكون نسبة غالبة، وفي الوقت نفسه أتمنى أن يبادر هؤلاء إلى التصدي للذين تورطوا في عمليات فساد أضرت بسمعة القضاء وبالتالي أضرت بهم بشكل مباشر وأن يتفاعلوا مع الإجراءات التي اتخذها السيد وزير العدل في هذا الإطار وكانت في الاتجاه الصحيح.
لقد أضر الفساد ضرراً كبيراً بالدولة ومؤسساتها وانعكس على حياة الناس بصورة مباشرة، وأصبحت ثقافة الفساد سائدة دون خجل أو خوف، وساعد في ذلك عدم وجود رؤية إستراتيجية لمكافحة الفساد وضعف الإجراءات المتخذة في ملاحقة ومحاسبة الفاسدين والمفسدين ومحدوديتها.
وسبق أن اقترحت مراراً وتكراراً في مقالاتي التي نشرتها صحيفة «الوطن» ضرورة إحداث هيئة عليا لمكافحة الفساد ترتبط برئيس الجمهورية وتضم أصحاب العلم والخبرة والنزاهة من رجال الدولة الحاليين والمتقاعدين، ومن دون ذلك ستبقى قضية محاربة الفساد مبعثرة بين عدة جهات من دون منهجية موحدة وواضحة وخاضعة لتأثيرات وتدخلات تحد من جديتها وعدالتها والغاية منها؛ فرغم إحالة العديد من الفاسدين والمفسدين إلى القضاء نتيجة تحقيقات أجرتها أجهزة الرقابة والتفتيش نتج عنها مطالبتهم بمبالغ كبيرة لم يتم تحصيلها لحصولهم على البراءة أو بقائهم في السجن سنة واحدة فقط مقابل عدم تسديدهم للمبالغ المحكومين بها، وهذا يستدعي تعديل قانون العقوبات لهذه الجهة.
وفي هذا السياق أؤكد على إحداث هيئة مكافحة الفساد وأن تضم إدارة تسمى «إدارة البحث والتحري» من رجال محترفين في عمليات التقصي والبحث والتحقيق ويتمتعون بسمعة وسيرة تؤهلهم لهذه المهمة.
إن مكافحة الفساد هي أساس الإصلاح بكل أبعاده وأشكاله، وهي الضامن الوحيد لاستقرار مؤسسات الدولة ومناعتها وقوتها وتحقيق العدل والعدالة والحفاظ على الأموال العامة بما يحقق مصلحة الشعب الذي أصبح في ضيق شديد وشديد جداً ويزداد ضيقاً وألماً عندما يرى مظاهر البذخ والترف لهؤلاء الفاسدين والمفسدين الذين ينهبون نسبة عالية من الدخل القومي.
فالأمر جلل ولابد من التعامل معه بجدية.
* باحث و وزير سابق