اقتصاد

هل عاد الفلاحون إلى أراضيهم؟! … ليس عدلاً أن يكون التأمين إلزامياً على السيارات دون المحاصيل الزراعية … الزراعة تنسق مع المنظمات الدولية لتقديم المساعدات للفلاحين العائدين إلى أراضيهم

| يسرى ديب

يقول الخبير التنموي أكرم عفيف، إن إعادة الفلاح إلى أرضه لا تحتاج إلى الكثير من النظريات والدراسات، بل كل ما هو مطلوب جعل الأرض تطعمه، وتحفظ كرامته ليبقى فيها.
يضيف عفيف: يمكن أن تجد في كل براد الكثير من المواد الغذائية التي لا يمكن الاستغناء عنها، وكل هذه المواد من إنتاج الفلاح، والسؤال كيف يقبل أي شخص أو مسؤول أن يطعم الفلاح كل الناس ويبقى جائعاً؟
ويرى أن الخطوة التي قامت بها وزارة الزراعة برفع سعر الشوندر السكري مثلاً إلى 175ألف ليرة جيدة وتساهم في توطين المزارعين والزراعة، أي إن استقرار الفلاح ينتج من استقرار السعر الذي يمنحه حياة كريمة.
أما الفكرة الثانية التي يطرحها عفيف فهي موضوع التأمين الإلزامي على المحاصيل الزراعية والحيوانية، إذ ما هي الحكمة من وجود تأمين على السيارات دون المحاصيل الزراعية؟ ويقول عفيف إن الفقر يدفع للعمل، وإن التنمية الإنتاجية تحسنت بسبب الغلاء، لأن الفقر يشكل دافعاً للعمل والإنتاج.
وربما ما يدعم قول عفيف هو انتشار الزراعات المحمية في مناطق لم تكن تعتمد على هذا النوع من الزراعات كمنطقة ريف الرقة الشرقي وذلك لتوفير الخضر في ظل الغلاء المعيشي الذي تعيشه البلاد كما يقول زارعون لهذه البيوت البلاستيكية.

سئمنا تكرارها

بملل يتلقى المزارع يوسف أحمد السؤال عن مشاكلهم في الزراعة. يقول سئمنا الحديث عن المشاكل التي تحول دون زراعة الأراضي التي يمتلكها والبالغة أكثر من 10 دونمات في منطقة الساحل السوري، ويختصر المطلوب لزراعة أرضه بتأمين السماد وهو المشكلة الأبرز التي يعاني منها الإنتاج الزراعي بسبب صعوبة تأمينه من الإنتاج المحلي، أو عن طريق الاستيراد ورداءة نوعية المتوافر منه.
وكذلك نقص عوامل الطاقة، ومشاكل القروض، وعدم الاهتمام بتأمين الأسواق الخارجية للتسويق، وإذا كانت هذه بعضاً من مطالب العاملين في الزراعة ضمن المناطق الآمنة، فإن عودة الفلاحين إلى أراضيهم في المناطق التي عاشت الحرب أكثر صعوبة وتعقيداً.

مشاكل أخرى

رئيس بلدية المعمورة التابعة لمنطقة منبج في محافظة حلب صلاح الحسين يعرض مشاكل مختلفة تعيق عودة الفلاحين إلى أراضيهم في تلك المناطق، ويؤكد أن هنالك الكثير من المتورطين في أعمال إرهابية ضد الدولة، ومنهم من هرب من الخدمة الإلزامية، ومنهم من يهرب من الحصار الاقتصادي المفروض على الدولة، ويفضلون البقاء في مناطق المسلحين حيث يتوافر فيها كل شيء!
أضاف الحسين أن هنالك أسباباً أخرى تتعلق بالرسوم الجمركية التي تفرض على الآليات والأغنام للمقيمين في مناطق المسلحين عند محاولة العودة إلى مناطق سيطرة الدولة، وينتظر الأكثرية ريثما يتم تحرير مناطقهم ليعودوا دون دفع تلك التكاليف.

الأسباب كثيرة

يفصل اتحاد الفلاحين في الكثير من الأسباب التي تبعد الفلاحين عن أراضيهم، وعن رؤيتهم للمطلوب لإعادتهم إلى أراضيهم، يقول معنيون في الاتحاد إن الفلاحين الذين هجروا قراهم وأراضيهم تحولوا من العمل الزراعي إلى أعمال أخرى سواء في قطاع الخدمات أو الباعة الجوالين أو غيرها من المجالات، في حين قسم منهم يمارس العمل الزراعي كعمال زراعيين في الحقول والأراضي الزراعية التي نزحوا إليها، لكن هذه الأعمال موسمية ولا تؤمن الدخل الكافي لتأمين احتياجات الأسرة، لذلك تحولوا من منتجين يقدمون الطعام للناس إلى معتمدين على المساعدات الغذائية التي تصلهم من المنظمات!
ولإعادتهم إلى أراضيهم يقدم اتحاد الفلاحين عشرات المقترحات لكل الجهات المعنية بالعمل الزراعي: كالتنسيق بشكل مستمر مع وزارتي الدفاع والزراعة وغيرها من الجهات المعنية، لتأمين عودة الفلاحين إلى أراضيهم المحررة، وفقاً للحالة الأمنية لضمان سلامتهم، وكذلك العمل مع وزارة الزراعة وغيرها من الوزارات من أجل تأهيل البنى التحتية والأراضي، وتأمين الخدمات ومستلزمات الإنتاج وصيانة مشاريع الري التي تضررت لتمكين الفلاحين من العودة والمباشرة بالنشاط الزراعي والإنتاج، فخسائر الفلاحين كبيرة، ومعظمهم لا يستطيع تمويل الأنشطة الزراعية أو إعادة تأهيل المشاريع بسبب ارتفاع التكاليف.

صعوبات كثيرة

مدير المركز الوطني للسياسات الزراعية في وزارة الزراعة المهندس رائد حمزة ذكر الكثير من المشاكل التي تعيق عمل الفلاحين ويجب تأمينها كمستلزمات الإنتاج (أسمدة، محروقات، بذار،…)؟ وأن أهم المشاكل هي نقصها وغلاء أسعارها وخاصة المستوردة منها كالأسمدة والمحروقات وكذلك الأعلاف خاصة أعلاف الدواجن، فسبب الإجراءات القسرية وتضييق حركة التجارة والقيود المفروضة على حركة ونقل الأموال عبر المصارف أصبح من الصعب استيراد مستلزمات الإنتاج من أي مصدر كان.

كذلك الحال مع المحروقات التي يتم تأمينها بصعوبة من الأسواق الخارجية وبكميات محدودة تقوم الحكومة بتوزيعها حسب الأولويات، وفي هذا العام تم تخصيص وتأمين كامل الكمية المتاحة من مادة المازوت والأسمدة لمحصول القمح بهدف تنفيذ الخطة المقررة لهذا المحصول، وتأمين حاجة القطر من القمح. إضافة إلى وضع سعر مجز له.
ومن الصعوبات التي يتحدث عنها حمزة أيضاً نقص الآليات الزراعية بعد أن تعرضت خلال فترة الحرب إلى السرقة والتخريب، إضافة إلى غلاء أسعار الجديد منها فهي تفوق في غالب الأحيان قدرة المزارعين على شراء هذه الأليات خاصة صغار المزارعين، علماً بأن المصرف الزراعي التعاوني يقوم بتمويل شراء هذه الآليات (كالجرارات) حيث يغطي نسبة 70% من تكلفة شرائها.

تحتاج إلى الكثير

وعن الإجراءات التي اتخذتها وزارة الزراعة لتأمين عودة المزارعين إلى أراضيهم المحررة، ولماذا لم يتمكنوا من العودة حتى الآن؟
قال حمزة: إن عودة الفلاحين إلى أراضيهم تتطلب إعادة تأهيل هذه الأراضي المحررة بعد تعرضها للتخريب سواءً من سرقة الأصول كمجموعات الضخ في حال كانت مروية من الآبار، أو بتخريب شبكات الري وإعادة تأهيل هذه المصادر وتخريب الطرقات الرئيسية والزراعية وأقنية الري تحتاج إلى وقت عدا عن مسألة إزالة الألغام ومخلفات المجموعات المسلحة، لتجنب أي مخاطر قد يتعرض لها الفلاحون، ونسمع بين الحين والآخر عن تعرض المواطنين والمزارعين للإصابات وأحياناً فقدان حياتهم نتيجة انفجار لغم أو ما شابه ذلك، يضاف إلى ذلك أنه في بعض المناطق المحررة تكون محاذية لمناطق لا تزال تحت سيطرة المجموعات الإرهابية كما هو حال المناطق المحررة في منطقة الغاب وغيرها وبالتالي هنالك خطر قائم من تعرض الفلاحين لخطر تلك المجموعات.

وخلاصة القول: مجرد تحرير الأراضي لا يعني أنه يمكن عودة الفلاحين إلى مزاولة نشاطاتهم، بل يحتاج الأمر إلى إعادة تأهيل وإزالة أي خطر قد يتعرض له الفلاح. وهنالك تنسيق دائم بين الوزارات والجهات المعنية (كوزارة الدفاع- الموارد المائية- الإدارة المحلية.. إلخ) للإسراع في تأهيل البنى التحتية لضمان عودة الفلاحين.

فورية

أما الإجراءات التي تقوم بها وزارة الزراعة فور جاهزية الأراضي المحررة فهو تأمين مستلزمات الإنتاج حسب الخطة الزراعية للمنطقة كما يضيف حمزة، وكذلك غالباً ما يتم التنسيق بين الوزارة والمنظمات الدولية من أجل تقديم المساعدات الممكنة للفلاحين العائدين إلى أراضيهم سواء من تقديم بذار محسن أو بعض المعدات الزراعية، وقد تم إنجاز الكثير ضمن هذا الإطار حيث قامت منظمة الأغذية والزراعة بتأهيل مشروعي ري في محافظتي حمص وحلب، وكذلك برنامج الغذاء العالمي بتأهيل القطاع الخامس في محافظة دير الزور والقطاع السابع ومشروع 1028 وذلك لمساعدة الأهالي على العودة إلى قراهم وتحسين سبل عيشهم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن