قضايا وآراء

إمبراطورية واشنطن العسكرية

| دينا دخل الله

استمتعت الولايات المتحدة الأميركية بالسيطرة العسكرية على العالم لعقود طويلة بحجة الحفاظ على أمنها القومي، ولعبت دور الشرطي بحجة حل المشكلات قبل أن تصل إلى عتبة بيتها ما أدى إلى بناء صناعة عسكرية تسيطر على مراكز القرار. ولكن مع تغير طبيعة التحديات والأخطار التي تواجهها فهل مازالت واشنطن بحاجة لإمبراطوريتها العسكرية الهائلة في الخارج؟ أم إنه لابد من إستراتيجية جديدة؟
ما زال أصحاب القرار في واشنطن يرون أن الجنود الأميركيين هم الأساس المتين للأمن القومي، على حين يرى محللون أمنيون أن وجود الجنود في الخارج أقل أهمية من ذي قبل وخاصة بعد تنامي أخطار غير عسكرية تواجهها البلاد، كالهجمات السيبرانية وتغير المناخ وانتشار الأوبئة كجائحة كورونا التي أودت بحياة أكثر من نصف مليون أميركي ودمرت الاقتصاد كما لم يفعل أي خطر من قبل. تقول محللة من معهد كوينسي للأبحاث: «الآن الجائحة والفوضى المناخية والذكاء الاصطناعي والجيل الخامس أهم بكثير للأمن القومي الأميركي من وجود 15 قاعدة عسكرية في المحيط الهادي». على حين أكد تقرير لوزارة الأمن الوطني الذي نشر قبل 3 أشهر من اعتداء الكونغرس، أن «العنصريين البيض الأميركيين وليس الإرهابيين الأجانب يمثلون التهديد الأكبر في الولايات المتحدة».
ويرى البعض أن وجود الجنود الأميركيين في العالم قد يكون ذا نتيجة عكسية، فمن الصعب تحديد مكان في العالم تدخّل فيه الجيش الأميركي بعد أحداث 11 أيلول قد أدى إلى إحلال الديمقراطية والتقليل من الإرهاب والعنف، كما هو الحال في الشرق الأوسط مثلاً.
عندما أطلق الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وعده بإنهاء «حروب أميركا التي لا نهاية لها» قوبل برفض من المشرعين من كلا الحزبين، إذ وصف السيناتور الجمهوري ليندزي غراهام قرار ترامب بالانسحاب من سورية بأنه «وصمة عار على الشرف الأميركي»، وعندما قرر دونالد ترامب سحب القوات من أفغانستان حذر السيناتور الجمهوري ميتش ماكونيل من أن «هذا الانسحاب سيكون بمثابة الاستسلام».
أما الرئيس الحالي جو بايدن قال في أول خطاب له كقائد عام للقوات المسلحة إنه «أوعز لوزير الدفاع لويد أوستين بإعداد قراءة لوضعية القوات الأميركية لتنسجم مع سياستنا الخارجية وأولويات أمننا القومي».
كان لأميركا بعد الحرب العالمية الثانية 80 قاعدة عسكرية خارج البلاد اليوم هناك 800 قاعدة ونحو 220 ألف جندي ومدني أميركي يخدمون في 150 دولة وتنفق وزارة الدفاع أكثر من 700 مليار دولار على السلاح والتجهيزات العسكرية، على حين الصين ثاني أقوى اقتصاد لديها قاعدة عسكرية واحدة خارج البلاد في جيبوتي.
حذر الرئيس الأميركي الراحل دوايت أيزنهاور في خطاب الوداع بعد انتهاء ولايته الرئاسية عام 1961 من خطورة تنامي نفوذ المجمع الصناعي العسكري في الولايات المتحدة إذ قال: إن «الجدل العلني المحتدم بين الحزبين حول كلفة الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي ليس سوى إلهاء مناسب لتحويل الأنظار عن الحقيقة الاقتصادية الصارخة، وهي أن المرضى والمسنين والفقراء ليسوا من يسلبوننا ويدفعون بأميركا نحو الإفلاس بل إنه المجمع العسكري الصناعي».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن