لا يمكن لأي متابع أو قارئ أو باحث موضوعي إلا أن يتساءل بكل براءة، ما هذه الحرب التي تدخل منتصف الشهر الحالي عامها العاشر؟ وبلغت تكلفتها وخسائرها 1.2 تريليون دولار! ما أهدافها؟ ولماذا سخرت هذه الأرقام الفلكية لتنفيذها؟ والمشاركة فيها؟ ووضع مراكز القرار العالمي والدبلوماسي والاستخباراتي والإعلام في خدمتها، لا بل استخدمت كل نظريات الحرب النفسية والتضليل والكذب، للوصول إلى نتائج محددة فيها؟ لماذا تحاصر دولة تدّعي أنها عظمى دولة مثل سورية؟ وتحاول خنق شعبها بطريقة تبدو أقرب إلى الجرائم ضد الإنسانية؟
أليس من العار على هذا المجتمع الذي يدّعي أنه حضاري وإنساني وديمقراطي، ويدعو للحريات أن يصمت عما يمارس ضد سورية وشعبها من حصار ظالم مجرم، دون أن يرف لهم جفن، أو تتحرك مشاعرهم التي ملأت مجلس الأمن بالدموع عندما كان مجرموهم ينفذون هجوماً بالسلاح الكيميائي، أو يرتكبون مجزرة في هذه القرية الوادعة أو تلك، أو عندما كان مجرمو داعش والنصرة يذبحون على الهوية؟
ألا يخجل بعض السوريين بعد سنوات عشر، وانفضاح وثائق الحرب وأهدافها من أن يقولوا لنا «ثورة سورية» أو مبادئ الثورة السورية، أو قيمها، أو غاياتها؟! ألا يخجل هؤلاء من هذه الثورة المزعومة المجرمة، الفاشية، التي من عنوانها تعرف ماذا أرادوا منها؟ ما هذه الثورة التي ينظر لها ويدعمها الصهيوني برنارد هنري ليفي وباراك أوباما، وهيلاري كلينتون، وجون كيري، والآيباك، ونيكولا ساركوزي، وفرانوسا أولاند، وتيريزا ماي، وبنيامين نتنياهو، وحمد بن جاسم، وبندر بن سلطان، وسعود الفيصل، ورجب طيب أردوغان، وأحمد داود أوغلو، وروبيرت فورد؟! هل هناك من لديه ذرة كرامة وإحساس وانتماء، وموضوعية يقرأ هذه الأسماء التي ذكرتها، ثم يقول لي بوقاحة: ثورة سورية؟
ما هذه الثورة التي سخرت لها مئات مليارات الدولارات، وإمبراطوريات الإعلام العالمي والبترودولاري، وفلاسفة، وكتبة، وأحدث أدوات التكنولوجيا، من أجل أن تنجح، ولا تحقق سوى الدمار والخراب؟
ما هذه الثورة التي تستجدي وتتوسل، وتقبل الأيادي والأرجل من أجل تدخل حلف شمال الأطلسي، وتدعو المحتلين والقتلة والمجرمين من أنحاء العالم كله لاحتلال بلادها، وإذلال شعبها، والوصول للحكم، ليتحول هؤلاء لعملاء ومرتزقة تحت سلطة الاحتلال كما العراق ولبنان وليبيا الآن؟
ما هذه الثورة التي يتحول فيها الثوار المزعومون إلى مرتزقة يباعون ويشترون في سوق النخاسة الآردوغاني الإخواني تارة ضد بلدهم وجيشهم وشعبهم، وتارة في ليبيا، وتارة في ناغورنو كاراباخ، والآن في اليمن؟ هل هؤلاء ثوار أم شحاذون على أبواب السلطان يقاتلون في حروب «السفر برلك» من أجل استعادة أمجاد ماتت وانتهت؟
ما هؤلاء الثوار، وأي قيم وقضية يحملون عندما يبدؤون بقضايا الحرية والديمقراطية، ثم ينتقلون إلى المذاهب والطوائف، ثم جنود في جيش السلطان، ثم ليبيون أكثر من الليبيين، ثم أذريون أكثر من إلهام علييف، والآن سعوديون أكثر من محمد بن سلمان؟ هل هؤلاء ثوار أم مرتزقة؟ يعملون بالدولار، وهل هؤلاء ثوار أم قطاع طرق، ورجال عصابات خارج القانون؟ هل هؤلاء ثوار أم قتلة ومجرمون، لا يهمهم سوى الدولار والارتزاق؟
ما يدمي القلب أن هؤلاء كانوا في مرحلة ما يعملون في الأرض والزراعة والمهن الحرة، ويأخذون أرزاقهم بشرف وإخلاص، ويعيشون في بلدهم بأمان واطمئنان، ويعيلون أسرهم، ويعلمون أولادهم في مدارس بلدهم، وبين شعبهم، على حين أنهم الآن أمام مصير واحد هو الموت المحتم، لأنه لن يخرج أي واحد منهم من اليمن، كما لم يخرج أي عثماني من قبل حتى سميت اليمن «مقبرة الأناضول»، وإذا كان هؤلاء المرتزقة يعرفون مصيرهم سلفاً، وقبلوا بذلك فإلى جهنم وبئس المصير!
أي ثورة هذه التي يتزعم الفتاوى فيها شيخ مريض نفسياً ومرتزق، مثل يوسف القرضاوي، أو العرعور، أو شيوخ الوهابية، ومنافقو الإخوان المسلمين؟ وأي ثورة هذه التي ينظّر لها عزمي بشارة، وتقودها قناة الجزيرة القطرية وشقيقتها قناة العربية، وغيرها من المواقع التي قبضت مليارات الدولارات على حساب دماء السوريين، وآلامهم، وعذاباتهم؟!
أي ثورة هذه التي تقدم 122 دولة دعماً لها، وتفشل؟ وأي ثورة هذه التي تقام لها غرفتا عمليات في تركيا والأردن، «الموك والموم»، وتعمل بهما أهم أجهزة الاستخبارات في العالم، وتفشل؟ وأي ثورة هذه التي يجند فيها عشرات آلاف القتلة والإرهابيين والمتطرفين من شمال غرب الصين، إلى آسيا، وإفريقيا، والقوقاز، والخليج، وشمال إفريقيا، وأميركا، وأوروبا، ويعترف البنتاغون به، ويقول إنهم من 82 بلداً، وأنهم تحولوا لأكبر تجمع للإرهابيين في العالم؟
أي ثورة هذه التي تقتل شعبها على الهوية، وتصنف الناس على طوائفهم ومذاهبهم وإثنياتهم، وعندما يُفشل السوريون الحرب الطائفية، ينتقل إلى الحرب الاثنية تحت العناوين البراقة نفسها، والمظالم المزعومة، والطريف أن من يريدون أن يساعدهم في تحقيق أهدافهم المزعومة هو جلادهم نفسه، أي أميركا، التي ما دعمت في تاريخها إلا أعداء الشعوب، وحرياتهم، وتقدمهم، وتنميتهم، وما فكرت يوماً إلا بمصالحها، ومصالحها فقط؟
أي ثورة هذه، وأي قيم تدعو إليها هذه الثورة المزعومة تستهدف تقسيم البلاد، وتشريد العباد، وتدمير البنى التحتية، والتعليم، والصحة، والأمن، وتسرق المعامل، وتنهب النفط، والقمح، والقطن، وتتاجر بالقيم والمبادئ، وتسعى لتفتيت المجتمع، وبث الكراهية والحقد الدفين بين أبناء الوطن الواحد؟!
بالله عليكم هل هناك عاقل في الأرض بعد سنوات العار هذه يُنظّر علينا بقيم الثورة، والمبادئ الإنسانية، والأخلاقية، لأن ما نُفذ ضد سورية هي حرب فاشية، هي حرب تركيع، ومحاولة إذلال، هي حرب انتقام من تاريخ سورية والسوريين المشرف، التقدمي، السيادي، الحر.
كي لا يزايد أحد علينا في كل ما سبق ذكره، أقول إن الحديث عن الإصلاح والتطوير والتغيير هو أمر منفصل تماماً عما كتبت، وهو حاجة مستمرة ودائمة بالطبع لأي مجتمع ودولة، ونحن كسوريين بحاجة له، لأنها حاجة وطنية بحتة، وليست طريقاً لنيل رضا هذه الدولة أو تلك، أو هذه المنظمة الدولية أو تلك.
نحن بحاجة لأخذ الدروس المستخلصة من هذه السنوات العشر، وأن نتعلم منها، وأن نقرّ أخيراً بأن ما حدث في سورية ليس ثورة، إنما عار يجب أن نفعل الكثير من أجل غسله من ذاكرة الأجيال القادمة، هو عار نحتاج لتقييم أسبابه، ونتائجه من أجل تجاوزها في المستقبل، كي لا يخرج لدينا هذا العدد من المرتزقة والخونة الذين طالبوا وتوسلوا احتلال بلادهم تحت عناوين براقة، وكاذبة، ومنافقة.
في كل يوم أزداد قناعة، وإيماناً بكل ما قلت، وما كتبت، وفي كل يوم أزداد قناعة بعظمة الشعب السوري الذي أسقط هذا العار، وبعظمة الجيش العربي السوري الذي ضحى بالغالي والنفيس من أجل إسقاط هذا المخطط الفاشي، وفي كل يوم أزداد قناعة وإيماناً بحكمة وصبر وقيادة الرئيس بشار الأسد الذي واجه مع شعبه وجيشه وحلفائه هذه الحرب الكونية، التي نرى الآن بوضوح شديد بعد سنوات عشر أنها كانت حرباً كونية بكل ما للكلمة من معنى.
أما الذين تورطوا، أو ضللوا، فأعتقد أن قسماً كبيراً منهم أدركوا أنهم كانوا مجرد أدوات صغيرة، تافهة، لا قيمة لها، ودمروا بلدهم، وشردوا شعبهم بأيديهم، وما عليهم بعد سنوات عشر إلا مراجعة الذات، للقول لشعبهم وناسهم: إننا نشعر بالعار.
أذكر هنا ما قاله الرئيس البرازيلي السابق لولا دا سيلفا للذين تآمروا عليه وزجوه في السجن ظلماً: «سيأتي اليوم الذي تطأطئون فيه رؤوسكم، وأخرج مرفوع الرأس، سيلعنكم شعبكم حينها، وستولون أنتم وأسيادكم إلى الجحيم».
وأنا أكرر الآن: إننا نلعنكم كل يوم، وستولون أنتم وأسيادكم إلى الجحيم، على سنوات العار هذه.