ثقافة وفن

قتل التنوير (6)

| إسماعيل مروة

قتل التنوير قد يحدث من ضرورة قتله من المتضررين من وجوده كما رأينا ونعرف، وهذه معركة عادية، ويمكن أن تحدث فيها المواجهات بين الطرفين، لينتصر أحد الطرفين على الطرف الآخر، وفي حالتنا العربية كان القتل باستمرار من نصيب الحركات التنويرية.
والانتصار لمصلحة خصومه من الظلاميين والمنتفعين، وهذا أمر مؤلم ليس للأفراد وإن للمجتمع نفسه، هذا المجتمع الطامح إلى أن يتحول ويتغير، ولكن الأفراد الذين يتحكمون بمفاصل الحياة يقومون بأدوارهم فيقررون ما يريدون غير عابئين بما يمكن أن يجره هذا الأمر من ويلات مستقبلية وغير آنية على مجتمع ينتمون إليه، وسيضم من سيبقى منهم من أولاد وأحفاد وأقارب.. وأسوأ ما في عملية قتل التنوير أنها تتم بنشوة الانتصار، لأن القاتل يزعم بأنه انتصر، ويؤمن بأنه على حق، وبأن التنوير يسعى لخراب المنظومة المجتمعية، وقد ركزت فيما سبق على منظومة قتل التنوير التي تتم داخلياً، ومن المجتمع نفسه، أو من الذي تهدف عملية التنوير إلى إنقاذه وإنصافه.
أما أخطر أنواع قتل التنوير فهو الذي يتم بأيدينا، ونستعين لإنجازه بالآخر الغريب الذي لا يعنيه أمرنا، وتبدأ هذه القضية من أصغر الأمور، فحين نرجو خير مجتمعنا من تغير حزب حاكم في دولة عدوة أو خصمة لنا، وحين تتوقف الحياة العربية كلها، وربما يعاد ترتيب أوراقها بانتظار ساكن البيت الأبيض، وحين نختلف من الأفضل؟ المحافظون أم العمال؟ ومن أرحم؟ العمل أم الليكود؟ اليمين أم اليسار، ولا نتنبه أن الأمر سواء، وأن أسوأ الحروب ضد العرب كانت من العمل، ومع ذلك نأمل بوجوده، واتفاقيات السلام مهما كان رأينا فيها عقدت في ظل اليمين المتطرف، الليكود، وهكذا عندما نرجو من الآخر.
واليوم صار العرب يضيفون ترقب تركيا وإيران، وربما يترقبون مستقبلاً الانتخابات الصومالية! وهم في كل ذلك منفعلون لا فاعلون، وحتى في الترقب لا يفعلون شيئاً، ولو سلمنا مع الجميع بأن الواقع العربي كله رديء وبحاجة إلى تغيير، فالمراقب لكل ما حدث ويحدث من أول أيام الربيع العربي كما سموه سيعرف بأن ما نراه سيئاً هو أفضل عشرات المرات عما وصلنا إليه، فماذا حصل في البلدان العربية؟ والتجربة العلمانية التونسية تم دفنها خلال ساعات وبمعونة غربية أميركية أوروبية، والجماعات الدينية المتعددة الأسماء، ذات الجذر الواحد فرّخت أسرع من أي شيء آخر، وصارت صبغة تقتلنا، ويقتلنا الغرب الذي صنعها بسببها ومحبتها!
وما يزال العرب، وخاصة المعارضة ينتظرون ما سيفعله الغرب في بلدانهم، ويأملون منه أن يفعل شيئاً، والذي يأملونه فقط أن يجعلهم حاكمين، ولا يسألون عن المستقبل والتنوير، فهم ولا شيء سواهم.. لو كان الغرب يرى ما يرون حقاً لماذا يفعل ما يفعل؟ لماذا يدمر بلداننا، أو يدفعنا لتدميرها حتى لا نتهم بأننا من المؤمنين بالمؤامرة الخارجية، على العكس أنا ممن يؤمنون بالمؤامرة الداخلية، فالغرب نحن من ذهبنا إليه، ونحن من استجدى عونه، ونحن من دبجنا في مدحه ومدح ديمقراطيته المدائح، ونمنا على الأرصفة في انتظار أن يسمح لنا بالدخول.. ألم نتابع؟
قتلنا بلداننا، وقتلنا التنوير فيها عندما خرجنا نستجدي الغرب أن ينصفنا، ونحن نظن أنه سيفعل، فواحدنا لا يجيد هندامه أو ربطة عنقه يسعى للغرب، فيمضي نصف عمره لتعليمه آليات الظهور والحديث واللباس، فيكون من ضرب ضرب ومن هرب هرب، ألم يكن من الأجدى أن نعرف الغرب والكيفية التي يرانا بها قبل أن نذهب إليه؟ أليس من الأجدى أن نسأل من عاش في الغرب منا عن آليات التعامل مع الغرب؟
أدونيس السوري المقيم عمره في الغرب، المتهم بتبعيته الثقافية للغرب، يقول: الغرب لا يريدنا أحراراً، ولا يريد لنا الديمقراطية، وهو يقف مع أشد الأنظمة العربية تخلفاً وقمعاً!! يقول: الغرب يحتقرنا ويحتقر العرب والمسلمين، وينظر إليهم نظرة احتقار..! هذا ما قاله أدونيس وهو مسجل ومكتوب، السيد لا يبحث عن تابع ليجعله سيداً مثله، لذلك قال أدونيس: الغرب لا يريدنا مثله، فهو يبحث عن ثرواتنا وأموالنا واستثماراته، وهذا لا يكون من خلال تحويلنا إلى سادة.
ومع ذلك نجد من يقول: أدونيس تابع للغرب، ويريد التغريب، ولا يحب الثقافة العربية، مع أن كل مرتكزات أدونيس عربية وتراثية، لكن من يقرأ وحده فهو من يعرفها.
ومع ذلك نقفل الباب على أدونيس، ونتركه يصرخ وحده، وربما نجلس في غرفة مجاورة لنستجدي الغرب أن يفعل شيئاً لأجلنا!! كل ما سمعناه، أوباما سيفعل، ترامب سيفعل، واليوم بايدن سيفعل!! أين نحن من الفعل؟
هل نفرح عندما يفعل أحدهم ويعيدنا عشرات الأعوام إلى الوراء؟
أسوأ أنواع قتل التنوير هو ذلك النوع الذي لا نعرف أنفسنا أو دورنا ونستجدي الآخر أن يقتلنا، والمؤلم أن الواحد منهم يظهر على محطة أو ما شابه ويظن أنه يجر الفرس من ذيله!.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن