يوم أمس الأول الجمعة تعرضت الدولة السورية ورموز سيادتها لهجمات إلكترونية مكثفة عبر الواتس أب وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي، شارك فيها العديد من «السوريين» الذين يسمون أنفسهم «معارضة» ويجلسون في أحضان أمراء المازوت في الخليج، أولئك الأمراء الذين ليس لهم من الإمارة إلا الاسم، لأنهم مجرد رهائن لدى الأميركي يشترون منه حياتهم يوماً بيوم، ويدفعون له الجزية التي يحددها وينفذون له كل ما يأمرهم به.
والحقيقة أن «الغزو الإلكتروني» لم يعد مجرد خيال، ففي كل يوم تخترق عقولنا آلاف الطلقات والقذائف الناعمة، وأنا أرى أن هذا النوع من الغزو لا يقل خطورة عن الغزو العسكري الذي تمارسه الفاشية العالمية ضد الدولة السورية منذ عشرة أعوام.
في حديثي الذي أذيع في الثامنة والثلث صباح أمس السبت على هواء سوريانا إف أم أثرت قضية اختراق معلوماتي مهين في قلب عاصمتنا السورية دمشق. فقد غرس خنجر مسموم في صدر الشاعر الكبير نزار قباني، إذ لطخت ساحة المطاعم المتفرعة من شارع نزار قباني بحي المالكي الراقي بقهوة وهمية اسمها «Tel Aviv Israeli Café» أي (قهوة تل أبيب الإسرائيلية) على خرائط غوغل في شبكة الإنترنت!
وكنت قد كتبت في هذا الركن قبل أسبوع، مقالاً عن «حرب الذباب الإلكتروني» تلقيت إثر نشره دعوة للمشاركة في برنامج «ملفات للنقاش» حول «وهم حرية وسائل التواصل الاجتماعي والدعاية الإعلامية الإلكترونية» الذي تعده وتقدمه على شاشة الفضائية السورية الإعلامية أليسار معلا، مع مشاركة عبر الأقمار الصناعية من الإعلامي رفيق نصر اللـه مدير المركز الدولي للدراسات والإعلام في بيروت، والحق أن لهجتي خلال البرنامج كانت حارة بعض الشيء لأن هذا الموضوع من الغصات العالقة بحلقي منذ نحو أربعة عقود؛ فأثناء عملي في صحافتنا الوطنية حاولت كإعلامي أن أدافع عن حق المواطن في الحقيقة، وانتقدت بأقصى ما لدي من جرأة وما أعطيت من فرصة، الممارسات والأوضاع الخاطئة التي تحول دون أن يأخذ بلدنا مكانه اللائق به تحت الشمس.
يعلم من يتابعني أنني من محبي العلم، ولا أجامل نفسي إذ أقول إنني قد تنبهت قبل أكثر من ثلاثين عاماً لخطورة الثورة الرقمية على من لا يتقنون أدواتها، وطالبت مراراً وتكراراً عبر مؤتمرات اتحاد الصحفيين بتأهيل الصحفيين السوريين معلوماتياً، ومساعدتهم على شراء حواسبهم الخاصة، وكان بعض مديري الإعلام آنذاك يصغون لكلامي باستخفاف، حتى إن أحدهم انفرد بي جانباً، وهمس في أذني ناصحاً بمودة: «أنت رجل عاقل، قلل هوسك بالتكنولوجيا يا أخي، أصبحت موضوعاً لتندر الزملاء». ويومها قلت له ما معناه: «أنا لست مهووساً بالتكنولوجيا، بل بمصلحة بلدي، والمعلوماتية طوفان قادم، إذا بنينا سداً أمامه، استطعنا أن نولد منه الكهرباء، وإذا صنعنا زوارق وشباكاً بانتظاره، استطعنا أن نبقى على سطحه، ونصطاد السمك من أعماقه، وإذا تعلمنا السباحة فيه استطعنا أن نعوم فيه وننجو بأرواحنا، وهذا أضعف الإيمان، أما إذا لم نفعل شيئاً من كل ما سبق، فغالباً ما سيكون مصيرنا هو الغرق». يومها نظر الرجل إليَّ كما لو أنني مخلوق غير أرضي، ولن أنسى نظرته الغريبة تلك ما حييت، المهم أنني لم أكف عن تكرار ما أسماه بعض الزملاء بـ«موشح حسن»! وقبل نهاية الألفية الثانية وافق مؤتمر اتحاد الصحفيين أخيراً على اقتراحي بإقامة طاولة مستديرة بعنوان: «الإعلام السوري وتحديات العصر الرقمي». وكلفت بكتابة ورقة العمل، لكن حلمي بطاولة مستديرة مُسخ إلى منبر، وبدلاً من العصف الذهني الجماعي المأمول، حصلنا على محاضرة تخللتها بعض الخطابات الطنانة!
والآن حين تعصف بنا التحديات أود أن أطالب مجدداً بطاولة مستديرة بعنوان «الإعلام السوري وتحديات العصر الرقمي»، كما أود أن أهمس لمن انزعجوا من صراحتي في برنامج «ملفات للنقاش»: عندما يكشف لنا أحد أصدقائنا وجود نقطة ضعف في أدائنا، فليس من الحصافة أن نطمس كلام ذلك الصديق ونفتعل مشكلة معه للتغطية على نقطة الضعف تلك! فالثغرات المؤجلة قد تتحول إلى خروقات، كما قد يتحول الالتهاب الصغير عندما يهمل، إلى سرطان!