قضايا وآراء

مخاطر الفساد ودور الحكومات

| بقلم د. قحطان السيوفي

تُعَد ظاهرة الفساد ظاهرة مركبة تختلط فيها الأبعاد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، وسنوضح أسباب الفساد وتشخيصه ودور العولمة في انتشاره ومخاطره إضافة إلى سبل مكافحته ودور الحكومات في ذلك.
كانت آفة الفساد تقتصر في الماضي على جهات بعينها في بلد أو أكثر في العالم، لكنه اتسع حالياً إلى حد الاستشراء، وأصبح السمة المميزة في الدول الغربية التي تدّعي الديمقراطية وفي الدول النامية، ومن المعلوم في عصر العولمة الليبرالية الجديدة أن آفة الفســـــــاد نتاج العناق بين المال والسياسة، ويجب إيلاء أولوية لتشخيص الفساد كي نفهم أسبابه الجذرية.
تؤدي إساءة استخدام الوظيفة العامة بغرض تحقيق كسب خاص إلى تقويض ثقة الشعوب في حكوماتها، وتحويل أموال دافعي الضرائب بعيداً عن المصالح العامة للشعوب.
هناك تحدٍ آخر، الكفاءة والاستقلالية وكسب ثقة المواطنين، وهي أمور لا يتسنى تحقيقها إلا عن طريق الجهود الفعالة والسعي لتطبيق القانون على الجميع من دون تمييز.
تتعدد أسباب الفساد ومنها ضعف الرقابة وعدم اتساق الأنظمة ومتطلبات الحياة الاجتماعية والتفاوت بين الأجور والأسعار.
غياب الشفافية يشجع على الفساد، وهو قوة مدمرة وأكثر المتألمين منها هم أصحاب الدخل المحدود والفقراء.
بعد جائحة كورونا لجأت الحكومات، للإنفاق الكبير لتمويل مواجهة الجائحة، وصدر تقرير عن البنك الدولي بعنوان «تعزيز فعالية الحكومات وشفافيتها: مكافحة الفساد»، ذكر بعضاً من الأساليب لمساءلة الحكومات، وتعزيز فعالية إستراتيجيات مكافحة الفساد في القطاعات الأكثر تضرراً من الجائحة.
ويؤكد التقرير أن بمقدور الدول تحقيق تقدم في مكافحة الفساد حتى في أكثر الظروف صعوبة، الجائحة الطارئة دفعت الحكومات إلى إنفاق كبير بحجة إنعاش الاقتصاد من دون التقيد أحياناً بمبدأ الرقابة التقليدية على المال العام وهذا يُعرض الحكومات لمجموعة متنوعة من مخاطر الفساد.
يحضرني هنا تجربة الصين بمكافحة الفساد التي وضحها الرئيس الصيني شي جين بينج في خطابه أمام المؤتمر الوطني الـ19 للحزب الشيوعي الصيني، مؤكدا أن «الفساد هو أكبر تهديد»، وهو «من الاختبارات التي تواجهنا لكونها تتعلق بالحوكمة والإصلاح والانفتاح واقتصاد السوق والبيئة الخارجية، ونبه إلى ضرورة تمتع المسؤولين بالصراحة والمصداقية ومعالجة القضايا السياسية بكل نزاهة».
في عصر عولمة الليبرالية الجديدة، ازداد الفساد لأن العولمة اعتمدت السياسات الجديدة، وألغت الحواجز والحدود أمام تنقل السلع ورؤوس الأموال وغدا العالم سوقاً واحدة، وقرية كونية مع انعدام الرقابة والانحلال في القيم والأخلاق وانتشار ظاهرة الفساد عبر المجتمعات، إضافة إلى انتشار الجريمة المنظمة والفساد الإداري وجرائم المخدرات والإرهاب وأزمة المديونية، واللا مساواة في توزيع الدخل.
للفساد آثار ضارة متعددة أهمها: التأثير السلبي على أهداف عملية التنمية وتبديد الموارد والإمكانات، وإضعاف فاعلية وكفاية الأجهزة وإحْدِاث تآكل في قدرة الحكومة على تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وحرمان المواطنين من الموارد الطبيعية في بلدانهم. فالتنقيب عن النفط أو المعادن يولد أرباحاً هائلة، ومن ثم يخلق حوافز قوية للفساد ناهيك عن هدر الحكومات للأموال العامة بسبب العمولات غير المشروعة في المشتريات العامة.
وفقاً للمفوضية الأوروبية بلغت خسائر إيرادات ضريبة القيمة المضافة 140 مليار يورو عام 2018 بسبب جرائم الاحتيال والتهرب، و164 مليار يورو عام 2020 بسبب الكورونا.
كل ما سبق يؤكد أن الفساد هو الركيزة الأساسية للرأسمالية، فوفقاً للبنك الدولي، بلغ حجم التدفق السنوي لأموال الفساد والأنشطة الإجرامية والتهرب من الضرائب 1.6 تريليون يورو، تمثل منها عمليات التهرب من دفع الضرائب في الاتحاد الأوروبي ما يقرب من 250 مليار يورو.
في تقرير صدر عن الأمم المتحدة عام 2019 بعنوان: «متحدون ضد الفساد» أوضح أن قيمة المبالغ المسروقة بطريق الفساد ما يزيد على تريليونين ونصف التريليون دولار، لتساوي 5 في المئة من الناتج الإجمالي العالمي.
من ضمن أكبر عشر دول في العالم في احتياطيات النفط والغاز، جاءت أربع منها على قائمة أكثر الدول فساداً في العالم، ما أدى إلى تراجع نموها الاقتصادي وتخلفها في التنمية البشرية والاجتماعية، وأصبحت بعض الدول الغنية بالنفط والغاز من أكثر دول العالم فقراً وتراجعاً في التنمية والاقتصاد، الفساد يساعد على التهرب الضريبي فالدول التي يزداد فيها الفساد، يقل تحصيلها للضرائب، لأن المكلفين يدفعون الرشاوى، وحين يقتنع دافعو الضرائب بأن حكوماتهم فاسدة، تزداد احتمالات تهربهم من سدادها.
من سبل مكافحة الفساد التوعية بخطورته وتأثيره في حياة الموطنين وبمقدور الإرادة السياسية البناءة إيجاد مؤسسات قوية وشفافة تعمل بكفاءة لمكافحة الفساد تحت مظلة القانون.
الصحفيون شركاء في مكافحة الفساد ويمثلون مصدر معلومات مهمة، ويمكنهم المساعدة في توعية الجمهور، وعندما تحظى الحكومات بثقة المواطنين فإنهم يفصحون عما لديهم من معلومات تساعد في مكافحة الفساد، القادة يجب أن يستخدموا إرادتهم السياسية بالتصدي لقضية الفساد وتسليط الضوء عليها.
وإيجاد مؤسسات قوية تشجع النزاهة والمساءلة، مثلاً إصلاح بعضها كالإدارة الضريبية وتبسيط القوانين مسألة ضرورية لتضييِّق مساحة التقدير الاستنسابي للضرائب.
بالمقابل يجب اختيار العاملين في الدولة على أساس معايير الكفاءة والنزاهة وأن يعمل المسؤولون الحكوميون من وزراء ومديرين عامين على تشجيع السلوك الأخلاقي ليكونوا القدوة على قمة الهرم الوظيفي.
ويعتبر تطبيق التكنولوجيا مهماً في مجال المشتريات وإدارة الإيرادات والموارد الطبيعية وخاصة استخدام التكنولوجيا الإلكترونية للتصدي للفساد.
مثلاً نظم الشراء الإلكتروني أدوات فعالة للحد من الفساد عن طريق تعزيز الشفافية وتحسين المنافسة.
مكافحة الفساد تستلزم برامج إصلاح شاملة تحظى بدعم سياسي قوي وتكتسب مضموناً إستراتيجياً لتشخيص المشكلة ومعالجة أسبابها وتعاون الأجهزة الحكومية ومشاركة المجتمع ومؤسساته وإرساء القيم الأخلاقية للإدارة والمجتمع.
يجب تحسين قدرة الدول على فهم واستخدام المعلومات حتى لا يصبح المواطنون أثرياء في البيانات وفقراء في المعلومات.
ولتشجيع الاستثمارات، يتطلب تكافؤ الفرص أمام مؤسسات الأعمال، ووضع الأطر التنظيمية الصحيحة وتحفيز النزاهة.
على الحكومات العمل مع المجتمع المدني والقطاع الخاص لمعالجة الفساد وتأثيراته المدمرة.
الفساد والحوكمة موضوعان متنافران من حيث الطبيعة، متلازمان من حيث التحليل، فكلما توافر نظام للحكم الصالح ووجدت معاييره كلما أمكن السيطرة على الفساد وتقليل آثاره، ويجب على الحكومات إقامة الأطر القانونية والتشريعية الصارمة وإيجاد التدابير الوقائية والعلاجية للحد من ظاهرة الفساد الإداري والمالي.
أخيراً على المجتمع الدولي التعاون لمنع الفساد من عبور الحدود الوطنية للدول.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن