قضايا وآراء

طوابع استفزازية ودوافع مشبوهة

| أحمد ضيف الله

ما إن اختتم بابا الفاتيكان فرنسيس الأول زيارته إلى العراق التي استمرت ثلاثة أيام في الـ8 من آذار 2021، وشملت خمس محافظات عراقية: بغداد، ذي قار، النجف، نينوى، أربيل، حتى أعلن وزير النقل والاتصالات في إقليم كردستان آنو جوهر عبدوكا عن إصدار ستة طوابع بريدية خاصة بـهذه المناسبة، أحدها يُظهر خريطة كخلفيَّة لصورة البابا تضم إضافة إلى محافظات إقليم كردستان الأربع: أربيل، السليمانية، دهوك، حلبجة، مناطق واسعة مقتطعة من محافظات عراقية مثل ديالى ونينوى وكركوك، فضلاً عن مناطق أخرى من جنوب تركيا وشمال غرب إيران وشرق سورية!
أثارت الطوابع التذكاريَّة التي أعلنت عنها حكومة إقليم كردستان جدلاً سياسياً كبيراً تعدى حدود الدولة العراقية ليصل إلى دول الجوار، فقد طالبت وزارة الخارجية التركية في بيان لها في الـ10 من آذار الجاري، إقليم كردستان «تقديم التفسير اللازم للتصحيح الفوري لهذا الخطأ الجسيم في أسرع وقت ممكن»، بينما قال السفير التركي لدى بغداد فاتح يلدز في سلسلة تغريدات له: إنه «من الملاحظ أن من بين الطوابع التذكارية التي من المتوقع إصدارها من إدارة الإقليم الكردي في العراق بمناسبة زيارة البابا فرنسيس إلى العراق، طابع بريدي يرسم خريطة تشمل بعض المدن في تركيا أيضاً»، مشيراً إلى أنه «يحاول بعض قادة إدارة الإقليم الكردي في العراق، الذين يتجاوزون حدودهم، استخدام هذه الزيارة للكشف عن أحلامهم الفارغة تجاه وحدة أراضي الدول المجاورة للعراق»، مذكراً «سلطات إدارة الإقليم كيف أن مثل هذه الطموحات الخبيثة انتهت بالفشل».
كذلك، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده، أن الطابع التذكاري المقترح «لا يتفق مع المواثيق والمبادئ الدولية»، مشيراً إلى أن «إيران اعترضت لدى العراق وطالبت بعدم نشر الطوابع وتدارك الموضوع وإصلاحه بشكل فوري»، معتبراً ذلك «عملاً غير ودي».
خلال حرب الخليج الثانية «عاصفة الصحراء»، وفي نيسان 1991 حين قامت فرنسا وبريطانيا وأميركا بإنشاء منطقة حظر للطيران العراقي عند خط العرض 36 شمالي العراق بالقوة، لمنح الأكراد فرصة تكوين إدارات محلية ذاتية خارج سيطرة الحكومة المركزية إبان حكم صدام حسين آن ذاك، بدعم من أجهزة مخابرات دولية وإقليمية من ضمنها الموساد الإسرائيلي، بواجهات منظمات إغاثية وبتسميات مختلفة، لتنفيذ أهداف أمنية صرفة، أصدر الأكراد مجموعات عدة من الطوابع باللغتين الكردية والإنكليزية خلال الأعوام: 1993، 1997، 1998، 1999، 2000، 2003، شملت صوراً للملا مصطفى البرزاني، وآثار، وفراشات، وطيور، وحيوانات، كما غطت مناسبات عدة، كأعياد الربيع، وإطلاق القناة الفضائية الكردية.. الخ، حتى إنهم أصدروا طوابع مالية للمعاملات الرسمية عام 2000، وبالتالي مجموعة الطوابع التي أصدرتها السلطات الكردية في شمال العراق بمناسبة زيارة البابا للعراق ليست الأولى.
المتحدث باسم حكومة إقليم كردستان جوتيار عادل، رد على الانتقادات التركية والإيرانية في مؤتمر صحفي، بالقول إنه «لغاية الآن لم يتم اعتماد أي من هذه النماذج»، مؤكداً «إن حكومة الإقليم تتعامل مع ملف كهذا في إطار الدستور والسيادة العراقية فضلاً عن احترام مبدأ حسن الجوار»!
في الطوابع الستة، تم تجاهل اللغة العربية، وهي اللغة الرسميَّة للدولة العراقيَّة، فضلاَ عن ظهور العلم الكردي في أحدها، حيث تضمنت الطوابع اللغتين الإنكليزية والكردية فقط، تماماً مثلما جرى من قبل في طباعة الطوابع تحت الحماية الفرنسية والبريطانية والأميركية عام 1991، وهو تجاوز واضح للمادة 4 أولاً، من الدستور العراقي الذي أشار إلى أن «اللغة العربية واللغة الكردية هما اللغتان الرسميتان للعراق».
إن الخريطة الانفصالية المستفزة والمشبوهة، معلقة علانية، الآن، في مراكز حكومية وغير حكومية في إقليم كردستان، كما أنها مرسومة بحجم ضخم على صدر أحد الجبال المطلة على مدينة السليمانية!
خطوة الطوابع الاستفزازية هذه، هي تهديد مباشر لوحدة وأمن العراق، عدا أنها تعرض الأمن الإقليمي والدولي للخطر في الوقت ذاته، وهي خطوة خطرة مثل كل الخطوات التي سبقتها، كمحاولة الانفصال عن الدولة العراقية من خلال إجراء استفتاء كردي عليه في الـ25 من أيلول 2017 إلا أن ما يثير الاستغراب وسط كل ذلك، هو صمت الحكومة العراقية، وعدم تعليقها على الضجة والاستنكارين التركي والإيراني، إضافة إلى تجاهلها حالة الاستهجان الشعبي العراقي، التي أثارتها الطوابع الستة العجيبة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن