يتبين من مختلف الاستنتاجات التي يراها معظم المحللين في تل أبيب، أن نتائج الانتخابات المقررة في 23 آذار الجاري لن ينتج عنها سوى تنافس ثلاث شخصيات رئيسة لعبت شخصيتان منها: بنيامين نتنياهو ويائير لابيد، في ساحة الانتخابات السابقة الدور الرئيس لتشكيل حكومة ائتلافية شكلها نتنياهو بعد انشقاق بيني غانتس رئيس حزب «أزرق أبيض» عن لابيد رئيس حزب «يوجد مستقبل» ويمثل الشخصية الثالثة المتنافسة المنشق عن حزب الليكود جيدعون ساعار بدلاً من غانتس، بل إن المؤشرات تتزايد باتجاه أن تنتهي مفاوضات تشكيل الحكومة إلى طريق مسدود عن كلا الحزبين اللذين يسيطران على الساحة الحزبية، فيضطر الجميع لعقد دورة خامسة للانتخابات قد يجدها نتنياهو تطيل بقاءه في حكومة تصريف أعمال يستغلها لتأجيل محاكمته بسوء الائتمان والفساد.
بغض النظر عمن سيفوز بعدد من المقاعد التي تتيح له تشكيل حكومة بأغلبية 61 مقعداً، فمن الواضح أن انعقاد أربع دورات انتخابية واحتمال انعقاد خامسة، يدل على استمرار حالات الانشقاق والتشظي التي تتعرض لها الأحزاب الكبيرة والمتوسطة الحجم وهي تدل على عمق أزمة الكيان السياسي الإسرائيلي واصطدامه بعوامل الفشل في تحقيق أهدافه المركزية الرئيسة وهي:
استكمال التوسع في المشروع الصهيوني على الأرض وتأمين الأمن.
إيجاد جدار حماية خارجي إقليمي يحيط بالدول العربية المجاورة لفلسطين المحتلة وهو ما يطلق عليه «إستراتيجية الحماية بوساطة البريفيري» أي إيران الشاه وتركيا حول سورية والعراق في الشمال وإثيوبيا ودولة جنوب السودان حول مصر والسودان.
إنجاز خطة دولة اليهود وحدهم أو ما يسمى «الدولة اليهودية».
استمرار تدفق الهجرة اليهودية للمحافظة على نسبة قوة بشرية تحقق الردع ضد العرب وتضمن الأمن للمستوطنين.
إن نظرة بسيطة إلى الوضع الراهن الذي تجد إسرائيل نفسها فيه بعد 73 سنة من نكبة فلسطين، تدل بوضوح أن هذه الأهداف الأربعة لم تتحقق على المستوى الإقليمي ولا على المستوى الداخلي الإسرائيلي.
فلا تزال إسرائيل تواجه في شمالها جبهة إقليمية تمتد من جنوب لبنان إلى حدود الجولان العربي السوري المحتل إلى قوى المقاومة في العراق إلى طهران كمحور للمقاومة، كما لا تزال تواجه جبهة في جنوبها على حدود قطاع غزة ما زالت صواريخ وخبرات مقاومته تقلق وتهدد نصف مناطق المستوطنات في الأراضي المحتلة منذ عام 1948.
وفي جبهتها الداخلية فإن الأرقام التي تظهر من مصادر الوكالة اليهودية وهي المنظمة المختصة بتهجير اليهود من العالم إلى إسرائيل، تشير إلى واقع انحسار الهجرة إلى أدنى مستوياتها مقابل زيادة لم تتوقف في هجرة عكسية من إسرائيل إلى الخارج نفذها أكثر من مليون ونصف المليون ممن كانوا يقيمون في إسرائيل خلال عقود سابقة، وعادوا إلى أوطانهم التي جيء بهم منها.
«معهد الإستراتيجيات الصهيونية» نشر في كانون الأول عام 2019 دراسة بالعبرية استند فيها إلى معلومات من «مركز الأبحاث والمعلومات التابع للكنيست» جاء فيها: إن 800 ألف من الإسرائيليين يعيشون بشكل دائم في الولايات المتحدة منذ تنفيذهم للهجرة المعاكسة خلال عقود ماضية وإنهم شكلوا حالة إتنية خاصة بين يهود أميركا البالغ عددهم أكثر من ستة ملايين وكان ما يقرب من مليون من الإسرائيليين قد استعاد مواطنيته وجنسيته الأوروبية وغادر إلى موطنه الأصلي فيها.
صحيفة «هآريتس» نشرت في 1 كانون الثاني 2013 بحثاً من 18 صفحة في مجلتها الأسبوعية استطلعت بموجبه الإسرائيليين فتبين لها أن 45 بالمئة منهم يفكرون بالهجرة العكسية والعودة لمواطنهم الأصلية بعد أن منحت الدول الأوروبية وفي مقدمها إسبانيا وألمانيا وبولندا لهم الحق باستعادة جنسية أجدادهم وآبائهم.
وكانت معظم أسباب هذه الرغبة بالهجرة المعاكسة تعود لعدم الشعور بالأمن، فهم يدركون أنهم يعيشون بين «فلسطينيين زاد عددهم على اليهود في فلسطين وبقية الأراضي المحتلة بعد عام 1967» وبين شعوب عربية لا تريد وجودهم في المنطقة، على حين يهدد محور المقاومة في جبهة الشمال وجودهم واستقرارهم.
وما دام سيظل من الطبيعي أن يتمسك الفلسطينيون بوطنهم ومقاومتهم للعودة إليه وتواصل سورية دورها الطبيعي المقاوم من أجل استعادة الجولان العربي السوري المحتل فلن يتمتع أي إسرائيلي بالأمن فوق الأراضي المحتلة أينما كانت، ولذلك يقول أحد المعقبين على دراسة صحيفة «هآريتس» إن «السلام الذي يعقده بعض الحكام مع إسرائيل لم يقدم سلاماً، فلا الأردن ولا مصر ولا أي دول أخرى ستجبر شعوبها على التطبيع والدليل على ذلك أنه قد مر أكثر من أربعين سنة على اتفاقية كامب ديفيد والشعب المصري ما زال يرفض التطبيع وكذلك الشعب الأردني والفلسطيني».