الخبر الرئيسي

روسيا تفرض دبلوماسيتها وتوسع نفوذها على حساب الوجود الأميركي في المنطقة

كتب رئيس التحرير :

بعد انخراطها القوي والفعال إلى جانب الجيش السوري في الحرب على الإرهاب والنتائج السريعة التي تحققت خلال أيام، بدأت موسكو التحرك من خلال دبلوماسية نشطة لـ«تقليص» الوجود الأميركي في الشرق الأوسط وفرض سياستها من خلال التعاون والتنسيق مع عدد من قادة وزعماء المنطقة وعلى رأسهم الرئيس بشار الأسد الذين يَرَوْن في الحليف الروسي حليفاً للحق وللسيادة ولوحدة الأراضي على العكس تماماً من الأميركي الذي حاول لعقود إعادة رسم الشرق الأوسط وتقسيمه إلى دويلات وطوائف متنازعة.
التحرك الروسي الأخير وتحديداً بعد زيارة الرئيس بشار الأسد إلى موسكو ثبت الحضور الروسي إلى المسرح الدولي وبالقوة ذاتها التي فرضتها طائرات السوخوي في قصفها المجموعات الإرهابية على كامل الجغرافيا السورية، والسرعة ذاتها حيث أثبتت موسكو بأسابيع القليلة للعالم أنها قادرة على فرض واقع جديد وعلى تأسيس محور رابح بالتعاون مع الجيش السوري، وهي تتطلع الآن إلى فرض واقع وحل سياسي آخر وبالسرعة ذاتها، مبني على حرية الشعوب في تحديد مصيرها، وكانت هذه العبارة محور اللقاء الذي جمع الرئيسين بشار الأسد بالرئيس فلاديمير بوتين، ومحور ما فرضه وزير خارجية روسيا سيرجي لافروف خلال اجتماعاته مع نظرائه الأميركي والتركي والسعودي في فيينا.
بعيداً عن رمزية زيارة الرئيس الأسد إلى موسكو التي أطلق عليها «الزيارة الزلزال» نظراً لما أحدثته من ترددات في كل عواصم العالم وفي الإعلام، فإن هذه الزيارة تحديداً أعطت إشارة الانطلاق واتفاقاً على المبادئ للتوصل إلى حل سياسي «سريع» للأزمة السورية، و«سريع» بالمفهوم السوري الروسي يعني سرعة القضاء على الإرهاب وتوسيع دائرة المشاركين الجديين في الحرب عليه بحيث يؤدي إلى الحل السياسي الذي يتطلع إليه السوريون بعد عودة الأمن والأمان إلى كامل الأراضي السورية.
الرئيس بوتين الذي استضاف الرئيس الأسد وأولم على شرفه في قصر الكرملين أوصل من خلال صور معدودة رسالة للعالم أجمع، ترحيبه بزيارة الرئيس بشار الأسد في إشارة واضحة إلى عمق الصداقة الروسية السورية والتنسيق والتشاور على أعلى مستوى بين دمشق وموسكو، ولعل الرسالة الأهم من خلال ما بث إعلامياً والكشف عن الزيارة التي كان من الممكن إبقاؤها سرية، هي أن الحل السياسي في سورية يبدأ بالتشاور والتنسيق مع رئيس الجمهورية العربية السورية الذي يمثل بمنصبه كل السوريين والمسؤول والمعني الأول بمستقبل بلاده وذلك خلافاً لدول العالم التي تريد تقرير مصير سورية وتسمية قادتها دون العودة إلى الشرعية السورية والشعب السوري.
لم يُكشف الكثير حول مضمون الاجتماعات التي حصلت في موسكو، لكن الواضح وفقاً لمصادر اطلعت على بعض جوانب الزيارة أن الرئيس بوتين استمع مطولاً إلى الرئيس الأسد واطلع منه على الواقع السوري كما هو، عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، وعلى رؤيته للحل في سورية انطلاقاً من هذا الواقع تحديداً، وما هو مقبول ومرفوض للسوريين، فكان اللقاء بمنزلة «قمة تنسيق» سوري روسي للشروع في مرحلة الحل السياسي انطلاقاً من مصلحة السوريين أولاً ومنع أي تدخل في شؤونهم، من خلال ثقة سورية بالحليف الروسي وحرصه وجديته في مكافحة الإرهاب واحترامه لأسس ومبادئ القانون الدولي ثانياً، مع إعادة تأكيد استعداد سورية للحوار مع كل سوري وطني ومع أي دولة جادة في مكافحة الإرهاب، وانفتاح القيادة السورية تجاه كل ما يتطلع إليه السوريون ويعبرون عنه في صناديق الاقتراع.
تسلح الرئيس بوتين برؤية وأفكار الرئيس بشار الأسد وأطلق حملة دبلوماسية، قادها شخصياً، تتضمن الأفكار التي تبادلها مع الرئيس الأسد، وأجرى سلسلة اتصالات مع زعماء المنطقة واستكملها وزير خارجيته في فيينا وهو ماض فيها، والنتيجة الحتمية للعمل والجهد الدبلوماسي الروسي ستكون دون شك إنهاء أو تقليص النفوذ الأميركي في المنطقة وإعادة بسط الأمن والسلام والحفاظ على سيادة الدول، ولعل أفضل تعبير عن قوة الحضور الروسي الآن في المنطقة من خلال البوابة السورية، كان لوزير خارجية الأردن الحليف الأكبر للولايات المتحدة الأميركية الذي أعلن، ربما عن غير قصد، عن بدء تعاون بلاده مع روسيا والتأسيس لغرفة عمليات مشتركة لمكافحة الإرهاب مع التذكير أن واحدة من أهم غرف العمليات التي قتلت وشردت مئات الآلاف من السوريين وأرسلت المال والسلاح وأنشأت معسكرات تدريب، كانت في الأردن!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن