اقتصاد

مفهوم المسؤولية الاجتماعية في الاقتصاد … الشركات ورجال الأعمال معنيون بالمساهمة في تنمية المجتمعات

| نادين عودة

تعد المسؤولية الاجتماعية ركناً أساسياً ومهماً في حياة المجتمعات، ومن دونها تصبح الحياة فوضى وتشيع شريعة الغاب حيث يأكل القويّ الضعيف وينعدم التعاون وتغلب الأنانية والفردية.
الحديث عن المسؤولية الاجتماعية لقطاع الأعمال
المسؤولية الاجتماعية للشركات أو ما يوصف بمصطلح مشابه مواطنة الشركات أو العمل المسؤول المستمر، هي عبارة عن آلية تنظم وتضع القواعد الخاصة بمدى التزام الشركات بأخلاق المجتمع وتأثيرها الإيجابي فيه من أفراد وأصحاب مصلحة وجمهور عام إضافة إلى القوى العاملة في هذه الشركات بغية تحسين ظروف المعيشة أو خلق السبل لذلك أو تحسين ظروفهم الحياتية، عادةً ما توصف المسؤولية الاجتماعية بأنها عمل مستمر استباقي يؤدي إلى تحقيق نتائج في التنمية المستدامة.

انطلاقاً من مفهوم المواطنة يجب أن تعمل الشركات السورية على الاستثمار في هذا المفهوم والمقصود «مفهوم المواطنة» وبالتالي على كل شركة أن تضع سياستها الخاصة بالمسؤولية الاجتماعية وهذا ما لا نشهده إلا في قلة قليلة من الشركات السورية ويمكن لنا أن نتبين أن الكثير لم يقم بأي خطوة تجاه المسؤولية الاجتماعية، فالغاية من وجود سياسة المسؤولية الاجتماعية هو تفعيلها وليس تنسيقها، بالحقيقة تكمن الفجوة الحقيقية في الشركات غير المساهمة والمجموعات الكبيرة التي بزغت في ظل هذه الأزمة ولا نجد على موقعها الإلكتروني أي سياسة رسمية معتمدة من مجالس إدارتها أو خطة منشورة، حتى إننا نفاجئ بأننا لم نلمح ضمن ميزانياتها التقديرية وخططها للعام الحالي أي بند يشير للمسؤولية الاجتماعية وبالسؤال سيجيبك القائمون على هذه الشركات بأن هذا البند مدرج ضمن مصاريف التسويق والفرق في الحقيقة كبير بينهما رغم التشابه الحاصل بمفهوم التسويق المجتمعي.

أما على مستوى الأفراد فشهدنا نشاطاً للمسؤولية الاجتماعية للكثير من السوريين رغم ضعف ومحدودية الإمكانيات خلال السنوات الأخيرة وفي الحقيقة ترفع القبعة لهؤلاء والكثير منهم مجهولون.

المثلث الذهبي المعتمد عالمياً في المسؤولية الاجتماعية هو احترام الناس وأوضاعهم من عاملين أو مواطنين عاديين ومراعاة القوانين والأنظمة والأخلاق والالتزام بها وحماية البيئة وأود إضافة ضلعاً إضافياً وهي تحقيق التنمية ليصبح مربعاً ذهبياً ليتناسب مع الظروف السورية.

والمسؤولية الاقتصادية هي مجال مترابط يركز على تحقيق التوازن بين الممارسات التجارية والبيئية والخيرية وفي هذا السياق تحاول الشركات إيجاد حل يمكن أن يسهل نمو أعمالها ويحقق أرباحاً، من خلال إفادة المجتمع ومنفعة أفراده عبر المبادرات التي قدمها رجال الأعمال.

في عالم الاقتصاد تكون النيات بالأعمال حيث توصف هذه المبادرات بالآنية التي لا تحقق أياً من الصفات التالية: الاستباقية والاستمرارية والتحسين المستمر لظروف المعيشة والتي يقع معظمها في إطار الإعلان ولن نقول الدعاية لأن الفرق كبير بين أن يقوم المجتمع بمتابعتك لقيام شركتك بأنشطة مسؤولة اجتماعياً وبين أن نطلب ونطلق صفحات لتصوير المبادرة فالأول دعاية لكن الثاني إعلان لقاء حفنة من المساعدات، النيات بالأعمال أي الاستثمار الصحيح والطويل الأجل في مواطنة الشركات، في الحقيقة تفتقر معظم الشركات للمواطنة الصحيحة واقتصرت أعمال مواطنة الشركات على مبادرات كتوزيع السلل الغذائية التي أعلن عن بعضها ولم ينفذ على أرض الواقع إلا القليل.
فالمبادرات تنعكس على صيغة حصاد للأرباح على المدى القصير لكونها تشابه بطريقتها إلى حد كبير الإعلان، لذا من المطلوب الخروج من إطار الإعلان والانتقال إلى المسؤولية الاجتماعية الحقيقية باعتبارها مكوناً رئيسياً للدور الاقتصادي للشركات.

هل هذه المبادرات كافية؟

لا يمكن اعتبار المبادرات الحالية كافية لكنها جيدة فعلى الأقل حس المبادرة موجود، لكن ما يجعل أثر هذه المبادرات ضعيفاً هو اتسامها بالفردية والاستجابة اللاحقة للظروف على عكس المبادرات الاستباقية بالإضافة إلى افتقارها للتنظيم والتوجيه والمتابعة من قبل غرف التجارة أو الصناعة وغياب تقييم للنتائج والتصحيح والإرشاد المطلوب، فلم نشهد تقريراً موثقاً من الغرف المعنية عن حجم أو نتائج هذه المبادرات، فبقيت المبادرات كتخفيض الأسعار موضع شك بالنسبة لمصداقيتها وموضع تساؤل من المواطنين عن الأثر الذي أحدثته.

أما الأثر الطويل لهذه المبادرات فإن وجد فقد بقي في الظل، من يعمل في عالم الأعمال يدرك بأن أي عمل أو نشاط يجب النظر إليه على مستويين الأول قصير الأمد والثاني طويل الأمد وما نقوم به من مبادرات يقع ضمن فئة قصير الأمد فهل تركنا للمنظمات الأجنبية السيطرة على الخيار الإستراتيجي الطويل الأمد للمسؤولية الاجتماعية وعلى أهدافه التي ستنعكس أولاً وأخيراً على المجتمع السوري واقتصاده.

ما المطلوب من رجال الأعمال؟

بصراحة المسؤولية الاجتماعية مطلوبة من الجميع في ظل هذا الوباء وليس فقط رجال الأعمال لكن فيما يخص رجال الأعمال فنتمنى العمل على بناء نظم حقيقية شفافة للمسؤولية الاجتماعية والتركيز على الاستباقية والاستمرارية لنستطيع وصفها بمسؤولية اجتماعية حقيقية.

كما نتمنى الحرص على توخي المهنية في متابعة ما ينشر عن الأخبار المتعلقة بالمسؤولية الاجتماعية فقد تفاجأ بأن إحدى الجمعيات الخيرية نشرت على صفحتها على مواقع التواصل الاجتماعي بياناً أكدت فيه أنه «انطلاقاً من مسؤوليتها الاجتماعية قامت بتوزيع سلل غذائية على العائلات السورية»، بصراحة هناك لغط واضح بين النشاط الاعتيادي لجمعية خيرية رخصت على هذا الأساس وبين المسؤولية الاجتماعية أو هناك استغلال لمصطلح المسؤولية الاجتماعية أو عدم كفاءة من القائمين على النشر.

المطلوب عدم النظر للمسؤولية الاجتماعية على أنها اقتطاع من أرباح الشركات فهذه النظرة قاصرة ولا تعبر عن الفكر الحديث لرجال الأعمال، كما أن التركيز على المسؤولية الاجتماعية على المدى الطويل له أيضاً نتائجه الواجب تحقيقها من تحسين صورة الشركة وزيادة إخلاص العملاء وزيادة الإنتاجية، فاليوم لا ينظر إلى الشركات فقط استناداً إلى نتائج أعمالها والمؤشرات المالية بل أيضاً من خلال سمعتها وصورتها ودورها المجتمعي.

التركيز الحقيقي يكون على أفعال المسؤولية الاجتماعية المهنية المساهمة في التنمية ورفع درجة الشفافية وإعادة النظر بالمنجز من الجمعيات التابعة لرجال وسيدات الأعمال فالكثير من هذه الجمعيات لم تقم بأي أعمال أكثر من الإعلان عن تأسيسها.

كما أنه بالمقابل نؤكد من منبرنا ضرورة استكمال الأطر القانونية المعنية بالمسؤولية المجتمعية لتنظيم هذا الموضوع على أن تشترك الغرف المعنية بذلك بالإضافة لخريطة طريق لإشراك القطاع الخاص في عملية التنمية استناداً للمسؤولية الاجتماعية وإطلاق بوابة الكترونية خاصة لتعزيز ثقافة المسؤولية الاجتماعية ولتقديم الإحصائيات والبيانات والتقارير والدراسات المتعلقة بالمسؤولية الاجتماعية وأن نتبنى مؤشراً سورياً خاصاً لقياس مــدى مساهمة المسؤولية الاجتماعية في النــاتج المحلي الإجمالي على أن يسبق هذا المؤشر قانون يجرم الإعلان الأصفر كالإعلان عن تقديم المساعدات دون تنفيذها.

ومن الضروري أيضاً تأطير المسؤولية الاجتماعية الفردية والعمل التطوعي وقياس النتائج وإعــداد الخطـــط لتحويل المبادرات الفردية إلى مشــاريع حقيقية.

فالماضي السوري فيما يتعلق بموضوع المسؤولية المجتمعية كتأسيس جملة من التجار الدمشقيين لمشفى المواساة إضافة إلى عيادات غرفة تجارة دمشق وغيرها مشرق أكثر من الحاضر لجملة من الأسباب أهمها عدم الاستقرار في إيرادات الشركات السورية والجهل بالفرق بين التسويق وبين الواجب الاجتماعي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن