ثقافة وفن

نور المعلم ورسالته

| إسماعيل مروة

كان سقراط معلماً، وكان أفلاطون معلماً، والرسل كلهم معلمون، مع الأتباع، مع الحواريين، مع الصحابة، وكان الخضر معلماً لم يصبر موسى على حكمة المعلمين، فجلس الخضر يخبره بما لم يستطع عليه صبرا..! والمعلم كان على الدوام حكمة خالدة تسعى لخير الإنسان، ولحياة أفضل، فالجدار الذي يريد أن ينقضّ، والسفينة التي خرقها الخضر، والمعلم كان منقذاً من الضلال للأتباع، وكان بعيد النظر، أنبأهم بما يريد الرب، يريد بقرة، فضيقوا على أنفسهم، حتى صار الأمر عجزاً ومعجزة، على حين كان المعلم الهادي يريد لهم حياة هانئة سلسة…! والمعلم كان يجلس مع الحواريين يريد تعليمهم شؤون دينهم، يريد لهم العلم والخروج من الضلال الذي هم فيه، كان المعلم يعلم أن بينهم من يضمر له الشر، وأن بينهم من لا يمكن أن يتعلم، لذلك جاء الملاك ليخبره: لا تعلق اللؤلؤ على أجياد الخنازير، لكن المعلم بقي معلماً، واستمر يحاول هداية أهله وأحبابه وتلاميذه لعله يحقق لهم النجاة التي يرى ببصيرته أنه لن يكون بمنجاة منها.. وفي ساعة الحسم كان المعلم يطلب لهم المغفرة.
اغفر لهم.. في درب الآلام.. في طريق الجلجلة رأينا مصير المعلم، وحب المعلم لمن كان معلماً لهم..! إنه المعلم من روح الله، ومن عطايا الحكمة، صاحب رسالة وصاحب حب، وعندما ضاقت الدنيا في حُنين كان المعلم الكبير مدمى، مضطهداً، لكنه أبى أن يطبق عليهم الأخشبان، لأن رحمة المعلم قالت: لعله يخرج من أصلابهم! وفي مثل هذه الأيام كوفئ المعلم الرسول برحلة الإسراء والمعراج، ومن دون الدخول في الجدل عن الآلية والطريق الذي سلكه جسده، أو روحه أو كلاهما، كان المعلم رحيماً بصحابته ومن يحمل المشعل بعده، فمن خمسين إلى خمس، ومن التشديد والإرهاق إلى التخفيف والمتعة في عبادة الرب.. وما إن غاب المعلم حتى عاد من بعده لزيادة الخمس، فصارت خمسين، وربما صارت أكثر، وتحولت العبادة من عمل وتفكّر وخدمة للإنسان إلى طقوس!
هو المعلم، إن كان المعلم أولاً أو ثانياً أو ثالثاً أو غير محدود العدّ، وحين يكون المعلم مكرماً محفوظ الهيبة والمكانة يكون المجتمع عظيماً وساعياً للوصول إلى قمة القمم.. وحين يفقد المجتمع معلمه، وحين يتحول المعلم إلى شيء ما في المجتمع يسقط المجتمع كله، ويبقى المعلم معلماً.
أيا سيدي، أيها المعلم المقرون بالرسالات والربوبية، كن أنت السيد الذي لا يدانيه أحد، لك الانحناء دوماً، وأنا أراك متعففاً، لا تمدّ يدك، وتحنو على أبنائك، وتعود خاوي الوفاض إلى ذاتك، قد لا تجد شيئاً، ولكنك تجد روحك، روحك التي ضاعت عند أتباعك فعاجزوك، وسخروا منك ومن دعوتك، وقلدوك بحركاتك ليضحكوا، وأنت تضحك ملء روحك لأنهم عندما فعلوا بذلوا جهداً للوصول إلى روح المعلم فيك حتى يتمكنوا من السخرية!
أيا سيدي وأنت تقطع الطريق مشياً، وتدور عجلات سيارة فخمة أمامك تلتمع صورتك على عجلاتها، يمتطيها صاحب موقع أنت من علّمه ليصل إلى هذه المكانة ولا يشعر بك لا تألم ولا تتألم، فهذا لا يزال يسأل عن مواصفات البقرة، ولا يزال يجلس مع الكاذبين حول يسوع، ويرمي بالحجارة محمداً في حنين! وحين تجد يا سيدي أقل طلابك شأناً من سادة المجتمع فلا تحزن، لست أنت من أخطأ التربية والتعليم، ولكن المجتمع نفسه عاند العقل والفهم، وأراد أن يسكن الغيبوبة!
حسبك يا سيدي المعلم أن الحياة لا ترتقي من دون هداة ورعاة ومعلمين، حسبك أن الحياة لا تكون بغير طيبتك وحدبك وحنانك وصوتك الحنون.
اليوم عيدك يا سيدي وأنت الحياة كلها.. اليوم يومك وأنت تاج الأيام.. ترنو بعينيك من بعيد لتهدي الضالين، وهم لا يدركون أن كل شيء في الحياة مقرون بك، ليس لمصلحتك، وليس لحياتك الرغيدة، بل مقرون بعزتك وكفاءتك.. حين لا تنتظر أجراً.. وحين لا تنتظر طالباً، وحين لا يتجاهلك مريد تصبح الحياة علماً وحضارة وعظمة.
بل تسمو الحياة يا سيدي المعلم، ولك الانحناء إن اتفقنا معك أم اختلفنا، فأنت الموكل بحياتنا وعقولنا.
إن سيّدناك سدنا
وإن أهملناك صرنا من سقط المتاع؟ فهل يفهم الجهلة أينما كانوا؟
كل عام وأنت خيرنا وغدنا وحياتنا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن