ثقافة وفن

قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا … المعلم هو اللبنة الأساس لبناء المجتمعات ومن ثم الحضارات

| سوسن الصيداوي

لكل شيء أساس فكل بناء يحتاج إلى تأسيس، وفي بناء المرء فيه الكثير من الجهد للعطاء اللامحدود كي تتحقق الغاية والهدف الأسمى لتكوين شخصيات إنسانية إيجابية ذاهبة نحو التطور والتقدم بخططها غير متقاعسة أو متخاذلة، نعم الكلام فيه من المثالية والتنظير، ولكن هذه حقيقة، وكثير من دول العالم تعمل بها، وأصبح الكلام بالنسبة لها واقعاً معيشاً، كيف لا والمعلم هو اللبنة الأساس لبناء المجتمعات والدول ومن ثم الحضارات، الكلام ليس فيه أي مبالغة، والدليل على ذلك تقديره واحترامه ليس فقط في يوم عيده، بل أيضاً الحرص والاعتناء به عند كل دول العالم، وتحسين أحواله المعيشية كلما سنحت الظروف لذلك، وكمثال نذكر لكم أنه في بعض الدول مثل كوريا الجنوبية يحصل المعلمون نتيجة وظيفتهم على امتيازات كثيرة وعلى أجور مرتفعة، الأمر الذي جعل مهنة التدريس هي الخيار الوظيفي الأكثر رغبة لدى الشباب الكوري.

في التوعية والإرشاد

لا يساعد المعلمون تلامذتهم فقط بأن يستوعبوا المناهج الدراسية المفروضة عليهم، مثل مواد الرياضيات أو العلوم أو التاريخ…..إلخ، فوظيفتهم أيضاً الالتفاف حولهم بكل توعية وإرشاد، من حيث توسيع مداركهم ليعرفوا قيمة أنفسهم أولا ومن ثم المجتمع المحيط بهم، كي يتواصلوا بين بعضهم بالشكل الأمثل، من حيث تقبل الآخر والاختلاف، ومساعدة الآخرين، لكون معلمهم يقضي معهم وقتاً طويلاً بدءاً من أيام الطفولة حتى يتقدموا في الصفوف عاماً بعد الآخر، انطلاقاً من رسالة المعلم لكونه بديلاً رديفاً لأولياء الأمور، ومن هنا يتكاتف مع العائلة في عملية البناء الفكري والنفسي والتعليمي.

المشاعر نحو مخرّج الأجيال

قدرة المعلم على التأثير في تلاميذه خلال العملية الدراسية، وترك بصمة في طريقة تفكيرهم المتشجعة دائماً لإثبات النفس والتعزيز من الثقة بها. الوصول إلى هذه المرحلة يوصل المعلم إلى مكانة كبيرة في نفوس جميع تلاميذه، فكيف لا؟ وهو القدوة لتلامذته لكونه يتحلى بقلب كبير وبقدر كبير من الاحترام والتواضع مع تمكنه من التواصل مع الجميع من دون أي حدود، لكونه الداعم والمشجع للنجاح انطلاقاً من الدراسة وإلى الكثير من الأمور في الحياة، فرسالته إعداد أجيال المستقبل، ويسهم في تنوير أفكارهم لبلورة أحلامهم بشكل واقعي من أجل البناء المقبل.

المعلم الأول

لُقّب الفيلسوف والمفكر اليوناني الكبير أرسطو طاليس بلقب المعلم الأول، وكان من أبرز تلامذته الإسكندر الكبير، كما تأثرت به كوكبة من الفلاسفة والعلماء كابن سينا وبطليموس والفارابي وابن رشد وغيرهم الكثير.

كتب في مواضيع متعددة: تشمل الفيزياء، الشعر، المنطق، السياسة، الموسيقا، علم الأحياء، وأشكال الحكم. وهو من مؤسسي الفلسفة الغربية. انتقل أرسطو عند بلوغه سن السابعة عشرة إلى أثينا ليتلقى تعليمه هناك في أكاديمية أفلاطون، وبقي فيها عشرين عاماً ولم يتركها إلا بعد وفاة أفلاطون.

حظي أرسطو بدعوة ليكون معلماً لابن الملك، الإسكندر الكبير وأصبح له صديقاً ومعلماً ومستشاراً، وعندما شنّ الإسكندر الكبير الحملة الحربية الآسيوية، أرسل جميع نماذج النباتات والحيوانات إلى أرسطو من مختلف البلدان التي غزاها ليساعده على الاطلاع وتسهيل أبحاثه العلمية ودراساته، وبفضل ذلك يعد أرسطو أول مؤسس لحديقة الحيوان على مستوى العالم.

كان من أعظم فلاسفة عصره وأكثرهم علماً ومعرفة ويقدر ما أصدره من كتابات بـ 400 مؤلف بين كتاب وفصول صغيرة.
ويعتبر شعره أول أنواع النقد الدرامي في التاريخ، وتأثيره واضح على جميع الأعمال الشعرية الكلاسيكية والثقافية الغربية، ويرجع سبب هذا التأثير إلى أن أعمال أرسطو كانت شاملة، وتحيط بجميع الجوانب الحياتية، وتروق لجميع أنواع البشر والثقافات.

في الختام

كيف لي ألا أجلّك وأحترمك، كيف ليوم المعلم أن يمرّ مرور الكرام من دون أن أذكرك- كما العادة- أو أستذكرك. كيف لي أن أتجاهل العطاء الذي زُرع فينا ولنا، نعم أنت أبي ومعلمي ومن كبّر مداركي ووسع الأفق لأكون على حالي، شكراً ليدك التي مسكت يدي كي أخط حروفي الأولى، شكراً لفيض الحب الذي أغنى ولوّن كلماتي بتعابير محببة، أحبك لسموك برسالتك التدريسية، وأعشق ذكرك لأنك مازلت حتى اليوم محل حب وتقدير وإجلال من كل شاب وشابة نهلوا العلم من خلالك. كل عام وأنت أبي المعلم، وكل عام وكل من يقف طول النهار باستقامة أمام سبورته، متحدثاً بنبرته الواثقة والجادة ببلوغ العلا لكل من يطلب العلم، كل عام وأنتم الأساس في التوجيه والعطاء، وسنبقى رغم كل هذه الأوقات الصعبة سنبقى متمسكين بسمو مكانتكم، التي تأخذ بيد الوطن نحو المجد والرفعة، عبر النظام التعليمي المحرك الأساس للبحث والتعلم والدراسة والذي يقدم لنا الأطباء والمهندسين والمحامين …إلخ، مع الاختراعات والاكتشافات والبحوث.

نعم المعلم هو قديس أو رسول له رسالته التي حرص بشكل زائد لتحقيقها عبر مواظبته على شغفه الدؤوب في التدريس والتعليم والتربية، فصدى صوته وهو يكرر ويعيد المعلومة مراراً وتكراراً كي تصل إلى عقول التلاميذ أمر لا يملّ منه أو يكل، من دون أن ينتظر رداً لجميله، وصدقاً أكثر ما يفرحه أن تمضي الأعوام ويعود الزمن يوماً لملاقاة تلامذته له، ويجد كل الحب في عيونهم وأيضاً يرى كيف انتقلوا إلى أحوال أحسن.

هؤلاء البررة من المعلمين ليسوا بنادرين، نعم أصبحوا قلّة في سلك التدريس ولكنهم موجودون ومازالوا على رسالتهم النبيلة ولهم بالذات كل الأعوام أجراً بالخير والبركة والعافية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن