تعقيباً على ما نشرته «الوطن» في تصريح لي يوم أمس الأربعاء الموافق في 17 آذار الجاري، وشرحت فيه أبعاد المؤتمر الذي أقامه المركز الأوروبي لدراسات التطرف في جامعة كامبردج، وتأثيراته، وقلت: «إن محاولات تركيع الإرادة السورية عبر العقوبات الإجرامية ستفشل»، كتب لي أحد الأصدقاء تعليقاً مهماً، يقول: «لقد أصبحنا نخجل من كلمة صبر.. يجب أن تكون القيادات من جنس الناس، كي تصبر!!!».
بتاريخ 14 الجاري أيضاً كتب رئيس تحرير «الوطن» وضاح عبد ربه مقالاً تحت عنوان: «ماذا لو نجحت إيران؟» وختم مقاله الافتتاحي بالقول: «لا خيار أمامنا سوى الانتصار».
الحقيقة أن الكتابة الصحفية في هذه الأيام أصبحت كالعمل في المناجم، يمكن لكلمة أو عبارة أن تعرض كاتبها للموت المعنوي، وخاصة أن السوريين جميعاً في أعلى درجات التوتر، نتيجة لما يتعرضون له من ضغوط هائلة هدفها كسر إرادتهم تمهيداً لهزيمتهم، عبر التجويع والحصار، فيما عجزوا فيه عبر الإرهاب والقتل والتقطيع والتدمير والتوحش، ولذلك نحن في أكثر مراحل الحرب حساسية ودقة على الإطلاق، فواجبنا الأخلاقي والوطني والتاريخي أن نستمر بنشر الوعي، وإعطاء الأمل لشعبنا، لا أن نستسلم للحملة النفسية التي تقودها قوى العدوان الفاشي على بلدنا وشعبنا، وهنا سألفت انتباهكم إلى ما يلي:
1- الحملة النفسية والإعلامية، تتكثف بسرعة، وتتصاعد، محاولة ممارسة أقصى درجات الضغط النفسي على السوريين، مترافقة مع حرب إرهابية اقتصادية متصاعدة، في محاولة لكسر إرادة السوريين وتركيعهم، بعد سنوات عشر من الحرب الفاشية والوحشية، ولننتبه هنا إلى تقرير مركز الاستخبارات البريطانية المسمى «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، الذي يقوده عميل تافه وصغير يحمل جوازاً بريطانياً، والحقيقة أن هذا التقرير يذكر أرقاماً حول واقع الليرة السورية، والتراجع الاقتصادي، دون ذكر الأسباب الحقيقية المتمثلة بالحصار الجائر الذي تنفذه الولايات المتحدة، وأدواتها الداخلية والخارجية، وهو ما يجب أن نأخذه بالاعتبار.
2- محاولات الإشارة إلى خلافات وتوترات، وتآمر من الحلفاء، مع التركيز على روسيا عبر نشر مقالات في الصحف الروسية، التي وبالمناسبة فيها الكثير من الأذرع الصهيونية، بهدف التشكيك، وبث الفرقة، وزرع الشك باستمرار، وهنا أود الإشارة إلى أنه علينا ألا نؤخذ بأي مقال هنا أو هناك، وأن نركز على ما يصدر عن ثلاثة مصادر روسية وهي: الكرملين، الخارجية، الدفاع، وقبل أيام أكد الكرملين أن «الرئيس الأسد هو الرئيس الشرعي لسورية»، والانتخابات الرئاسية شأن داخلي سوري… وهنا علينا أن ندرك أن معركة المواجهة التي نخوضها هي معركة كونية ستحدد مستقبل العالم، وأنها جزء مفصلي من مواجهة مشروع الشرق الأوسط الكبير، والجديد، ولا علاقة لما يجري بالشعارات المزيفة التي تتحدث عنها أميركا مثل الحرية، وحقوق الإنسان، والديمقراطية وغيرها.
3-إن أي تحليل موضوعي ومنطقي لا يأخذ بعين الاعتبار الحصار الوحشي، وقلة موارد الدولة، نتيجة الاحتلال الأميركي، وحرق المحاصيل، وتدمير البنى التحتية، وملاحقة قوافل النفط في البحر، كما اعترفت «وول ستريت جورنال الأميركية» قبل أيام حيث تم استهداف 12 ناقلة نفط إلى سورية آتية من إيران في البحر، وعندما كنا نقول ذلك كان البعض يقول هذه أكاذيب حكومية!
4-أدرك تماماً كما غيري أن أغلبية المواطنين السوريين يعيشون في وضع اقتصادي صعب للغاية، ونحن منهم، ولكن على درجات، ومستويات متفاوتة بالطبع، وهذا يجب أن يدفعنا لأمرين: أحدهما: تعزيز التضامن الاجتماعي، من خلال ضخ أموال ممن لديه ملاءة مالية ببرامج هادفة، وهذا أمر مهم للغاية، والثاني: أن تعمل الحكومة من خلال الميدان، وليس المكاتب فقط، أي لبس لباس الميدان والانطلاق لمعالجة المشاكل المباشرة، وعلى الأرض، بعيداً عن الاجتماعات الكثيرة، التي أحياناً لا تنتج سوى الكلام، فالناس تريد نتائج، ولو كانت متواضعة، المهم أن نتقدم للأمام.
ومعلوماتي تقول إن هناك خططاً تحضّر للمرحلة القادمة لدعم واقع السوريين، هدفها التخفيف من الآلام، وليس الحلول الجذرية، لأن الحلول الجذرية تحتاج إلى رفع الحصار الإجرامي، الفاشي، الأميركي عن سورية.
5- على صعيد الحراك السياسي والدبلوماسي، الجاري عالمياً وإقليمياً، علينا التعاطي بحذر شديد في المسائل التالية:
أ- واشنطن تحت إدارة جو بايدن تعطي إشارات متضاربة، ولكن المبدأ أنه لا ثقة بالأميركي أبداً، وحتى الآن أميركا تعزز وجودها الاحتلالي في الجزيرة السورية، وتاريخياً أميركا لن تخرج إلا بالمقاومة الشعبية.
ب- التصريحات المتتالية من بعض دول الخليج مرحب بها، ولكن إذا لم تنتج أفعالاً وتحولات، فإنه لا قيمة لها، وهنا يجب أن يدرك الجميع بما فيها دول الخليج أن التواطؤ ضد سورية انعكس اهتزازاً، وتهديداً لأمن هذه الدول، وواهم من يعتقد أن أمنه يتحقق على حساب تدمير الآخرين، فما بالهم بدولة عربية مركزية مثل سورية، وعلى كل حال، ما تزال المؤشرات غير ملموسة بالرغم من التصريحات الإيجابية المتتالية.
ج- الاتحاد الأوروبي ما يزال تابعاً للسياسة الأميركية ويعتقد أنه من خلال العقوبات والحصار سيحصل على نتائج، دون أن يقرأ نتائج عشر سنوات من الحرب الفاشية التي جلبت له المزيد من المهاجرين والإرهاب، وتضاؤل الفرص الاقتصادية، وواضح تماماً أن خطاب الاتحاد الأوروبي منفصل عن الواقع ومنافق وكذاب، إذ كيف يدّعي إنفاقه مليارات اليوروات على اللاجئين السوريين ومساعدتهم، وما يزالون في الخيم، وفي أسوأ الظروف الإنسانية، ولذلك فإن مؤتمرات الدعم التي تقيمها بروكسل ليست إلا خطة نفاق ودجل أصبحت مكشوفة في ظل الحصار الإجرامي، فمن يريد مساعدة السوريين عليه أن يرفع عقوباته، وحصاره الفاشي، وهذا الخطاب الأوروبي سقط وانكشف.
ومع ذلك كله فإن التصعيد سيستمر بهستيريا واضحة حتى الانتخابات الرئاسية، وسوف يصعّدون حربهم النفسية وضغوطهم، حتى أعلى درجة في محاولة لكسر إرادة السوريين، وإفشال الانتخابات كمرحلة للتشكيك بها، وهو أمر سوف نسقطه تماماً.
النقطة الأخيرة لصديقي الذي قال لي «أصبحنا نخجل من الحديث عن الصبر» سأقول له: إن الصبر هو الذي حرر حلب، ودير الزور، والغوطة، وجزءاً من إدلب، والجنوب السوري، وسوف يحرر كل شبر من الأرض السورية، ولولا الصبر لما حررنا شبراً واحداً لأن سورية عملياً كان يفترض أن تنهار خلال الشهور الستة الأولى، وما حصل هو معجزة عنوانها الصبر.
إن عدم صبرنا، ونفسنا الطويل سيجعلنا نخسر «الخبز والكرامة»، ومستقبل الأجيال، وسوف يلعننا أبناؤنا وأحفادنا، ونبقى خانعين، تابعين لمئة سنة قادمة.
أما يا صديقي، وهو المهم: أن القيادات يجب أن تكون من جنس الناس كي تصبر الناس!! فهذا كلام أتفق معك به، وأدعو البعض من السوريين ممن هو مصاب بأعراض كورونا من «المنفخة» والاستعراض، للابتعاد عن أي مظاهر ترف وبذخ، كما أدعو المسؤولين لمخاطبة الناس والشارع، ومواكبة التطورات أول بأول، فالناس ستصبر مع من هو قريب منها، ويشعر بها، ولنكن خدماً لشعبنا، وهذا شرف لنا لشعب صابر عظيم شجاع، لا خيار أمامه سوى النصر، وسوف ينتصر، وهذا إيماني القاطع بالرغم من آلامنا المبرحة.
ما نحتاجه جرعة أمل باستمرار، وأنا أعتقد أن تغيرات إيجابية قادمة بالتدريج، لأن حربنا معقدة، مركبة، وترتبط بمواجهة مشروع كوني، أما الخيارات الأخرى فهي «مقبرة لنا» لن نخرج منها قبل مئة عام قادمة، إنها خيارات الفناء، والموت المعنوي، ولذلك ليكن لدينا «الأمل دائماً» فـ«نحن محكومون بالأمل»، كما كان الراحل سعد اللـه ونوس يقول، و«الأمل يموت أخيراً» كما يقول المثل الروسي.