سورية

الصين تشكّل الهاجس الأكبر للإستراتيجية الأميركية الجديدة وتسعى جاهدة إلى كبح جماحها … شعبان: «ديمقراطية واشنطن» جلبت لنا مئات آلاف الإرهابيين وأغرقت سورية في الدم والدمار

| الوطن

اعتبرت المستشارة الخاصة في رئاسة الجمهورية العربية السورية بثينة شعبان، أن الإدارة الأميركية تواظب التعامل مع شعوب العالم وفق مبدأ السلطة العليا المتفوقة التي يجب أن ينصاع لها الجميع، وأن حلفاء أميركا وشركاءها لاسيما دول حلف الناتو، هم بنظرها، الوحيدون المهتمون بتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان، وأي دولة لا تنصاع إلى الإملاءات الغربية ولا تنتهج نهجها ولا تتفق مع معاييرها، هي دول مستبدة ومعتدية بنظرها أيضاً.
وأشارت شعبان في كلمتها المسجلة، التي شاركت فيها في الجلسة الثانية من المؤتمر الذي نظمه معهد شيللر للأبحاث والدراسات في لندن تحت عنوان: «العالم عند مفترق طرق، شهرين في الإدارة الأميركية الجديدة»، إلى إستراتيجية الأمن القومي الأميركي للمرحلة الحالية الذي صدر مؤخراً في مطلع شهر آذار الجاري، بتوقيع الرئيس الأميركي جو بايدن، وتركز على مفهوم التفوق الغربي، وتؤكد على التحالف الأميركي والشراكة مع أوروبا ومع حلف شمال الأطلسي، وما تحاول تشجيعه، هو دعوة دول العالم لبناء حلف «ناتو»، بدلاً من أن يكون مجرد حلف عبر الأطلسي، لافتة إلى أن القضية هنا هي أن هذا التوجه الإستراتيجي يعتبر أن هذه الكتلة من دول الناتو هي تلك التي تروج للديمقراطية، وتقر بحقوق الإنسان، ومن يجب أن يعلم العالم كيف يكون لديه نظام مماثل لنظامهم، وأي شخص أو أي بلد لا يتوافق مع هذه المعايير يعتبر إما مستبداً، أو معتدياً! بما في ذلك روسيا والصين، وهم وفق هذا التوجه، أنظمة تشكل تهديداً للديمقراطية.
واعتبرت شعبان أن المشكلة هي في أن عدداً من الدول التي تشكل تحالفاً، وتعتبر نفسها ذات قيمة عليا في العالم وهي مرتبطة ببعضها بالمصالح، وعندما يتحدثون دائماً عن القيم، فإنهم يتحدثون أيضاً عن تحقيق المصالح الأميركية وتعزيز القيم الأميركية، وبالتالي هذه الدول فقط هي التي تمتلك القيم! وكل من ينضم إليها يصبح جزءاً من هذا التحالف والشراكة، أما أي شخص لديه طريقة مختلفة في الحكم أو أسلوب حياة مختلف يعتبر إما مستبداً أو معتدياً.
وأشارت المستشارة الخاصة في رئاسة الجمهورية، إلى أن التهديد الآخر الذي يتبادر إلى أذهان هذه المجموعة من الدول هو التكنولوجيا، والصعود الصيني، الذي يبدو أنه هاجس في هذا التوجه، فكيف يوقفون صعود الصين؟ مبينة أن المشكلة هي أنهم لا ينظرون إلى العالم كمجتمع بشري، بل ينظرون إلى التفوق الأبيض والبلدان الأخرى التي يجب أن تكون على مقاس هذا التفوق الأبيض، تحت اسم الديمقراطية وحقوق الإنسان، أيا كان تسميتها.
وأضافت شعبان: «بصفتي امرأة سورية عاشت عشر سنوات من الحرب في سورية، أجد هذا المنطق في غاية الخطورة، لأن الديمقراطية التي يتحدثون عنها هي فقط لجعل بلداننا تابعة لدولهم، مما يعني أنه لا يوجد إحساس بالمساواة أو الأخوة الإنسانية بين بلادهم وبلدنا، والمنطق الذي أسمعه من الصين وروسيا هو المنطق الذي يقول: يجب أن يسود الرخاء للجميع، يجب أن نحارب الفقر، فمثلاً يقول الصينيون، يجب أن نحارب الفقر ليس فقط في الصين، ولكن في كل مكان آخر لأننا نعيش في مكان واحد، وعلينا أن نشارك مواردها، وعلينا أن نعمل معاً من أجل ازدهارها».
وبيّنت شعبان أنه في حالة سورية، فقد تسببت الدعوات للديمقراطية والحرية بالطريقة الغربية، لدخول مئات الآلاف من الإرهابيين إلى بلدنا، ودمرت مدارسنا والبنى التحتية لدينا، مشددة على أن الدعوات الغربية كانت السبب في تدمير بلداننا، وأضافت: «من وجهة نظري كامرأة سورية عاشت على هذه الأرض وستعيش عليها، يمكنني أن أقول لكم Nن سبب هذه الحرب هو أن سورية لديها فكراً وقراراً سياسياً مستقلاً، وهذا غير مرحب به على الإطلاق من قبل هذه الدوائر التي تريد أن يكون العالم كله نسخة مما يفكرون فيه، وما يريدون، حيث لا يحق لأي شخص أن يكون لديه ديمقراطية مختلفة، أو أسلوب حياة، أو ثقافة مختلفة، نقدرها هنا في سورية».
واعتبرت شعبان أن مشكلة الإستراتيجية الأميركية الجديدة هي أنها لم تترك مجالًا لتنوع الطبيعة البشرية، وتنوع الثقافة البشرية، وتنوع الإعجابات والكراهية، ففي الحالة السورية على سبيل المثال، كان لديها في عام 2010 رابع اقتصاد نامٍ في العالم، لكنهم اليوم دمروا اقتصادها ومدارسها وطريقة حياتها، كما حاولوا تدمير هويتها من خلال الإرهاب الذي تدفق إليها من تركيا.
ولفتت المستشارة الخاصة في رئاسة الجمهورية إلى أنه في حال كان وجود قوات الاحتلال الأميركي في شمال شرق سورية من أجل مكافحة الإرهاب، وهم يقولون إنهم هنا لمحاربته، فلماذا لا يمكننا توحيد الجهود لمحاربة هذا الإرهاب؟ مؤكدة بأن الولايات المتحدة والقوات المتحالفة معها في سورية، توجد لحماية الإرهابيين، فلولا وجود القوات الأميركية في منطقة التنف، وهجماتها على قوات الجيش العربي السوري، لتمكنت سورية من تحرير كامل أراضيها من الإرهاب، مشيرة إلى أن الهدف الآخر للوجود الأميركي هو منع أي علاقة بين العراق وسورية، لأن العلاقة بين البلدين أمر حيوي للغاية للشعب السوري وللعراقيين.
شعبان شدّدت على أن العالم اليوم يواجه أزمة تركيز الإدارة الأميركية الجديدة على التحالفات والشراكة، في مواجهة الصين وروسيا، وفي مواجهة أي دولة تتجرأ على الاختلاف معها في طريقة الحياة الديمقراطية التي تريدها، أو تلك الدول التي تسعى لامتلاك مواردها المستقلة، متسائلة: «كيف يمكن للولايات المتحدة أن تبرر نهب نفطنا وقمحنا ومنع شعبنا من مواردنا الطبيعية؟!»، معتبرة أن المشكلة الثانية في الإستراتيجية الأميركية الجديدة، هي الفرق بين ما تمت صياغته في اللغة والممارسات على أرض الواقع، فالممارسات على الأرض هو أن هذه الكتلة الغربية، كما يشير إليها بايدن كشركاء وتحالفات، لا تنظر إلينا كأشخاص، بل إنهم «يرون نفطنا، وقمحنا، وموقعنا الجغرافي، لكنهم لا يهتمون على الإطلاق بنوع الحياة التي نعيشها، وما نوع المشاكل التي نواجهها».
وبيّنت أننا اليوم بحاجة إلى أنموذج مختلف لمستقبل البشرية، معتبرة بأن الصين وروسيا وإيران وسورية وفنزويلا ومعهد شيللر، وكل من يؤمنون بكرامة النفس البشرية واستقلال وسيادة كل دولة في العالم، كبيرة أو صغيرة، يعملون من أجل هذه الأخوة بين جميع دول العالم، فلا يوجد شعب واحد يناسب الجميع، ولا يوجد مقاس واحد يناسب الجميع، نحن نأتي من ثقافة مختلفة، ولدينا وجهات نظر مختلفة، نحب أن نبني مستقبلنا وفقاً لما نريده، وما نستمتع به وما نقدره، وهذا ما سينقذ العالم، عبر الإقرار بأن اللـه خلقنا جميعاً في أماكن مختلفة، مع ثقافات مختلفة ولغات مختلفة، ولكن فقط للاستمتاع بالاختلافات، وليس لإعطاء بطاقة بيضاء لمن يعتقد أنهم متفوقون على الآخرين، كما فعلوا سابقاً مع الحضارات الأصلية، التي قضوا عليها، والتي تسببت في خسارة فادحة لتاريخ البشرية، والثروة البشرية، والحضارة الإنسانية.
وختمت شعبان كلمتها بالقول: «آمل أن نوحد قوانا معاً، شعوب الشرق والغرب، من أجل خلق عالم يشعر فيه الناس بالاحترام، وحيث يشعر الناس بالفخر بثقافتهم المختلفة بدلاً من أن يعاقبونا عليها، أشكركم على دعوتي إلى هذا المؤتمر، وآمل حقًا أن نكون فاعلين في الانضمام إلى شراكة تضمن مستقبلاً أفضل بكثير للعالم، حيث لا سيادة ولا إرهاب ولا احتلال».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن