من دفتر الوطن

ذكريات

| عصام داري

كلما مرت كلمة ذكريات في خاطري تقفز أغنية أم كلثوم التي تحمل الاسم نفسه، وكأن كل ذكريات الماضي الجميل تجمعت في حروف هذه الأغنية الجميلة التي كتب كلماتها أحمد فتحي ولحنها رياض السنباطي.
مطلع الأغنية يقول:
ذكريات عبرت أفق خيالي بارقاً يلمع في جنح الليالي
نبهت قلبي من غفوته وجلت لي ستر أيامي الخوالي
وإذا كنت قد تقصدت نشر هذه المقدمة لأنها مفتاحي الذي أفتح بوساطته باب كتابة هذه الزاوية التي تعيدني إلى ما يسميه جيلي بـ«الزمن الجميل».
فقد نبهت قلبي وعقلي من الغفوة تلك الأغنية التي لمعت حروفها وكلماتها ولحنها لترسم صوراً بديعة عن الحب والعشق والهوى أيام زمان، عندما كانت لمسة من يد المحبوبة تعتبر إنجازاً خطيراً في قاموس العشق!.
ذكريات جيلي ليست مجرد حكايا حب وعشق وهوى، إنها ملاحم من الكفاح من المدرسة إلى الجامعة والعمل، في ذلك الزمن الماضي قلة من التلاميذ كانت ترتاح في العطلة الصيفية، والكثرة منهم كانت تدخل سوق العمل من العديد من البوابات، كالعمل في المطاعم أو المصانع أو حتى الدكاكين حيث يقوم اليافعون بتوزيع طلبات إلى المنازل، قبل أن نتعرف على كلمة «ديليفري» بسنوات طويلة!.
بغض النظر عن الأعمال التي كنا نمارسها في العطلة الصيفية، إلا أنها علمتنا كيف نقدس العمل، وصقلتنا لنكون في المستقبل رجالاً يعتمد عليهم في تكوين أسرة والمساهمة في بناء المجتمع من أي مكان يصل إليه التلاميذ الذين صاروا رجالاً وتحولوا إلى نواة جديدة لأسرة جديدة.
لا أريد المقارنة بين الأمس واليوم، فالمقارنة هنا تكون ظالمة وغير عادلة، ولن يرضى بها لا جيلي ولا الجيل الجديد الذي يسخر أحياناً من استخدامنا عبارة (الزمن الجميل) ويتساءل: وهل جيل اليوم ليس جميلاً؟.
جيلنا هو جيل الذكريات مع أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم وليلى مراد، مع رياض السنباطي وزكريا أحمد ومحمد القصبجي وداوود حسني ومحمد الموجي وكمال الطويل، مع أنور وجدي وكمال الشناوي وفريد شوقي ومحمود المليجي ورشدي أباظة وغيرهم كثير.
نحن من جيل نجيب محفوظ ومحمد الماغوط ومحمد عبد الحليم عبد الله ودوستيوفسكي وهيمنغواي وفيكتور هوغو وزكريا تامر ويوسف إدريس ويوسف السباعي، وغيرهم مئات.
الأسماء التي ذكرتها لا يعرف عنها شيئاً معظم الجيل الجديد الذي (يستكثر) علينا التغني بزمننا الجميل الذي رحل إلى غير رجعة!.
لا ننكر أن جيل اليوم ينعم بالتكنولوجيا المتطورة التي حرمنا منها سابقاً وعجزنا عن اللحاق بها لاحقاً، لكن زمانهم هو زمن (الأغنية السندويتش) التي تهضم بسرعة وتتبخر بسرعة أكبر، وزمن التواصل عبر النت والواتس آب والفيسبوك، في حين صار التواصل الاجتماعي بين العائلات والأسر شبه معدوم، وربما هذه هي بداية انهيار العلاقات الاجتماعية التي عشناها نحن أبناء الجيل القديم، أصحاب عبارة تقول إننا «دقة قديمة»!.
ذكرياتي طويلة وقد لا تنتهي، فإذا كنت قد أطلت عليكم في الكلام والوصف، فعذري أنني أتوق إلى زمني الراحل وقد يأتي اليوم الذي يتوق فيه أبناء جيل اليوم إلى زمنه (وهو الزمن الراهن) ليصبح زمني تاريخاً قديماً مكانه الكتب، ويكون هذا الزمان مجرد ذكريات سيأتي يوم تتحول فيه إلى تاريخ.
وذكريات عبرت أفق خيالي..

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن