ثقافة وفن

ألفت روايتها في السجن بقلم الحواجب على ورق التواليت والتبغ … نوال السعداوي: الأم هي من تتحمل التربية

| وائل العدس

في آذار من العام الماضي، اختارتها «مجلة تايم الأميركية» بمناسبة اليوم العالمي للمرأة ضمن قائمة الـ 100 امرأة الأكثر تأثيراً في العالم لعام 2020.
رحلت عن عالمنا يوم الأحد الماضي بعد صراع مع المرض تاركة تاريخاً حافلاً بالمواقف التي طالما عرضتها للانتقاد، نظراً لجرأتها ومعاكستها للاتجاه السائد.
أفكارها اعتبرها البعض خارجة عن المألوف، لتمردها على المجتمع واتجاهها لإخضاع القضايا المختلفة لمناهج علمية حديثة مختلفة عن النظرة الدينية التقليدية وفقاً لرأيها.
قالوا لها: «أنت امرأة متوحشة وخطرة»، فكتبت: «أنا أقول الحقيقة، والحقيقة متوحشة وخطرة».
إنها نوال السعداوي، طبيبة أمراض صدرية ونفسية، وكاتبة وروائية مصرية مدافعة عن حقوق الإنسان بشكل عام وحقوق المرأة بشكل خاص.

سيرة حياة

ولدت نوال السعداوي في 27 تشرين الأول عام 1931 في قرية خارج القاهرة ، وكانت الابنة الثانية بين تسعة أبناء، وقد كتبت روايتها الأولى في عمر الثلاثة عشر عاماً.
كان والدها موظفاً حكومياً صاحب دخل محدود، في حين كانت والدتها تنتمي لعائلة ثرية.
حاولت أسرتها تزويجها في عمر العاشرة، لكنها حين رفضت، وقفت والدتها في صفها.
شجعها أبواها على التعليم، أدركت منذ سن مبكرة أن البنات كُن يحظين بتقدير أقل من البنين.
ووصفت السعداوي فورة غضبها حين قالت لها جدتها ذات يوم إن «الولد يساوي 15 بنتاً، البنات آفة».
ومن بين تجارب طفولتها التي وثقتها بوضوح، كان خضوعها لعملية ختان في عمر السادسة، ووصفت في كتابها «الوجه العاري للمرأة العربية» خضوعها للجراحة المؤلمة على أرضية الحمام في حين وقفت والدتها إلى جوارها.
تخرجت في كلية الطب من جامعة القاهرة في كانون الأول عام 1955 وحصلت على بكالوريوس الطب والجراحة وتخصصت في مجال الأمراض الصدرية وعملت كطبيبة امتياز بالقصر العيني.

في عام 1972 نشرت كتاباً بعنوان: «المرأة والجنس» مواجهة بذلك جميع أنواع العنف التي تتعرض له المرأة كالختان والطقوس الذي تقام في المجتمع الريفي للتأكد من عذرية الفتاة، فأصبح ذلك الكتاب النص التأسيسي للموجة النسوية الثانية، كنتيجة لتأثير الكتاب الكبير على الأنشطة السياسية، أقيلت من مركزها في وزارة الصحة، ولم يكتف الأمر على ذلك فقط فكلفها ذلك أيضاً مركزها كرئيس تحرير مجلة الصحة، وكأمين مساعد في نقابة الأطباء.
من عام 1973 إلى عام 1976 اهتمت بدراسة شؤون المرأة ومرض العصاب في كلية الطب بجامعة عين شمس، ومن عام 1979 إلى 1980 عملت مستشارة للأمم المتحدة في برنامج المرأة في إفريقية والشرق الأوسط.

أسست جمعية تضامن المرأة العربية عام 1982، كما ساعدت في تأسيس المؤسسة العربية لحقوق الإنسان، واستطاعت أن تنال ثلاث درجات فخرية من ثلاث قارات، ففي عام 2004 حصلت على جائزة الشمال والجنوب من مجلس أوروبا، وفي العام التالي فازت بجائزة إينانا الدولية من بلجيكا، وفي عام 2012 فازت بجائزة شون ماكبرايد للسلام من المكتب الدولي للسلام في سويسرا.
شغلت العديد من المناصب مثل منصب المدير العام لإدارة التثقيف الصحي في وزارة الصحة، والأمين العام لنقابة الأطباء في القاهرة، غير عملها كطبيبة في المستشفي الجامعي.

كما نالت عضوية المجلس الأعلى للفنون والعلوم الاجتماعية في القاهرة، وأسست جمعية التربية الصحية وجمعية للكاتبات المصريات، وعملت فترة كرئيس تحرير لمجلة الصحة في القاهرة، ومحررة في مجلة الجمعية الطبية.

وفي أيلول عام 1981 أودعت السعداوي السجن ضمن حملة اعتقالات طالت معارضي الرئيس المصري آنذاك أنور السادات، وحينها كتبت مذكراتها باستخدام مناشف ورقية وبقلم لرسم الحواجب هربته إليها عاملة جنس سجينة.

وبعد اغتيال السادات أطلق سراحها لكن نشاطها خضع للرقابة وحُظرت كتبها، وخلال السنوات التالية، تلقت تهديدات بالقتل، كما رُفعت ضدها دعاوى قضائية، لتضطر في نهاية المطاف إلى العيش في منفى في الولايات المتحدة الأميركية، ثم عادت إلى مصر عام 1996.
تجدر الإشارة إلى أن مسيرة السعداوي الفكرية، كانت صاخبة بالعمل العام والنشاط الفكري والأكاديمي؛ حيث التحقت بالعمل في جامعة ديوك، وقسم اللغات الإفريقية في شمال كارولينا وأيضاً جامعة واشنطن.

كما تبوأت أيضاً العديد من المراكز المرموقة في الحياة الأكاديمية سواء في جامعة القاهرة أم في هارفرد، جامعة ييل، جامعة كولومبيا، جامعة السوربون، جامعة جورج تاون، جامعة ولاية فلوريدا، أو جامعة كاليفورنيا.
وكتبت أكثر من خمسين عملاً متنوعاً بين الرواية والقصة والمسرحية والسيرة الذاتية، وعزفت بقلمها على الثالوث المقدس «الدين والجنس والسياسة».

زيجاتها الثلاث

تزوجت نوال السعداوي عام 1955 من زميلها في الكلية أحمد حلمي، لكن الزواج لم يستمر لفترة طويلة فانتهى بعدها بعامين، وعندما سُئلت عنه في إحدى حواراتها قالت: «زوجي الأول كان عظيماً، زميلي في كلية الطب. كان رائعاً، والد ابنتي، لم يرد والدي مني أن أتزوجه لأنه غادر إلى السويس لمحاربة البريطانيين، لكن بعد ذلك تم خيانة المقاتلين، والكثير منهم تم حبسه، هذه الأزمة كسرته وأصبح مدمناً، وأخبرت أنني لو تزوجته، قد يوقف إدمانه، لكنه لم يفعل، حاول قتلي، لذا تركته».
تزوجت مرة ثانية من رجل قانون ولم يستمر هذا الزواج أيضاً.

وخلال عملها طبيبة لاحظت المشاكل النفسية والجسدية للمرأة، ونتيجة لمحاولتها الدفاع عن إحدى مرضاها من التعرض للعنف الأسري، نُقلت مرة أخرى إلى القاهرة. لتصبح في نهاية المطاف المدير المسؤول عن الصحة العامة في وزارة الصحة. في ذلك الوقت قابلت زوجها الثالث الطبيب والروائي شريف حتاتة الذي كان يشاركها العمل في الوزارة.. فتزوجا في عام 1964 وأنجبا ولداً وبنتاً، ولكن انتهى الزواج بطلاق بعد 43 عاماً معاً، وقالت عنه: «الزوج الثالث كان رجلاً حراً جداً، عشت معه 43 عاماً، وأخبرت الجميع أن هذا هو الرجل النسوي الوحيد على وجه الأرض، ثم بعد ذلك اضطررت للطلاق أيضاً، كان كاذباً، كان على علاقة بامرأة أخرى، ألف كتباً عن المساواة بين الجنسين ثم خان زوجته، أنا متأكدة أن 95 بالمئة من الرجال هكذا».

قضايا حساسة

غالباً ما كانت الكاتبة المصرية تثير الجدل في آرائها حول القضايا الحساسة التي عادة لا تمس، فاشتهرت برفضها التام للحجاب، تأكيداً على فكرها بأن الأخلاق لا تتعلق بالملابس وأن الأمرين ليسا متداخلين، مشيرة إلى أن الحجاب رمز سياسي لعبودية المرأة.

كما ترى الراحلة أنه من الإهانة أن تختن الإناث حتى تصبحن ذوات أخلاق جيدة، مؤكدة أن الأمر لا علاقة له بالدين.
ولم تتوقف عند ذلك بل إنها أيضاً أعربت عن رفضها لختان الذكور، مشيرة إلى أن هذا الفعل لم يرد سوى في التوراة، الأمر الذي عرّضها لانتقاد شديد من رجال الدين بسبب تبنيها لهذا الرأي.

كما نادت بكفالة الحرية للمثليين جنسياً، مشددة على رفضها لعقابهم بالسجن، مؤكدة ضرورة تحليل أي قضية ومعرفة أسبابها الاجتماعية والاقتصادية والبيولوجية، قبل البدء في علاجها.
وأوضحت أن المثلي جنسياً قد يكون مولوداً بجينات مختلفة، وقد يكون تعرض لاعتداء في صغره، وبالتالي قد يكون غير مذنب في الحالة التي أصبح عليها.

من ناحية ثانية، «نوال زينب السيد» هكذا كانت تضع الكاتبة الراحلة إمضاءها على الكتب الخاصة بها، حيث ترى أنه من الضروري أن يُنسب الطفل لأمه وأبيه في آن واحد في شهادة الميلاد بدلاً من أن يُنسب لوالده فقط.
وأكدت أنها أحياناً تعبر عن نفسها باستخدام اسمها في البطاقة وهو نوال السعداوي، وأحياناً أخرى باستخدام اسم والدتها، ولكنها تفضل إبراز اسم والدتها حين تتحدث في مجتمع من المجتمعات التي لا تحترم الأمهات.

وفي إطار تبنيها لقضية المرأة، كانت ضمن الفئة التي تعارض تعدد الزوجات، واصفة إياه بأنه حل غير إنساني لكثرة عدد النساء، وأشارت إلى ضرورة ضبط الرجل لنفسه، فليس من الضروري أن يكون بين اختيارين، إما الزواج أكثر من مرة أو إقامة علاقة غير شرعية.

في حوارها مع الوطن

في السابع عشر من شهر تشرين الأول عام 2018، نشرت «الوطن» حواراً موسعاً مع الكاتبة الراحلة أجرته الزميلة لونا بوظو في القاهرة.

وفي هذا اللقاء كشفت اتجاهها للطب النفسي مع أنها بدأت كمتخصصة في الجراحة الصدرية فقالت: «الجراحة جعلتني أغرق في الدم وأنا لا أحب منظر الدم إطلاقاً.. على حين الطب النفسي يجعلك تفهم النفس البشرية ما يتوافق مع مهنتي الأساسية في الكتابة، فالكاتب الذي لا يفهم الشخصيات لا يعد كاتباً حقيقياً».
وتحدثت عن مطالبتها بضرورة منح المرأة العازبة اسمها لابنها قائلة: «عندنا مليونا طفل غير شرعي في مصر بسبب الفساد الأخلاقي للرجال في مجتمعات ماتت ضمائرها. أنا ضد الحرية الجنسية للرجال والنساء على حد سواء، كل عقولنا في الجنس، رأيي أن عقل الأمة العربية في الجنس لأنها محرومة جنسياً، وهذا الفساد الأخلاقي يأتي من الحرمان. الرجال يمارسون فساداً أخلاقياً تحت سمع القانون على حين تعاقب المرأة وتحاسب من جميع الجهات، ولذلك نحن في حاجة إلى تغيير القيم والقوانين ويجب أن يسمح بمنح المرأة اسمها لابنها، كما يحدث في بلاد العالم، وأن يصبح الطفل شرعياً، ويتقيد في شهادة ميلاد رسمية ويمارس حقوقه كالأطفال الحاملين لاسم الأب وخاصة أن الأم هي من تحمل المسؤولية الأكبر في تربية الأبناء».

وكشفت السر وراء قوتها وتمردها وإصرارها على التحدي المستمر والاستمرار في الدفاع عن آرائها قائلة: «السر ينبع من داخلي.. فأنا قوتي الداخلية عظيمة.. القوة الخارجية هي سلاح الضعفاء… لذلك أنا جبلت على التحدي والتصدي للأفكار الظلامية، أنا مستعدة للتضحية في حياتي في سبيل ألا يتوقف قلمي عن الكتابة، ولن يتوقف فأنا عصية على الكسر. التحديات والصعوبات التي واجهتها في حياتي العامة والخاصة ليست إلا ثمناً زهيداً جداً دفعته مقابل حريتي ككاتبة وكرامتي كإنسان.. الجبناء هم من يخافون حرية التعبير لأنها تفضح ضحل أفكارهم وثقافتهم القائمة على عبودية الحاكم، على تقديس المظاهر الاجتماعية البائدة.. لذلك يلجؤون للعنف لاستعمال القوة الخارجية التي في متناولهم وأنا لا أخاف منهم لأني أعرف حقيقتهم.. ربما المرة الوحيدة التي شعرت فيها بشيء من الخوف كانت لحظة توقيفي عندما أصدر السادات قراراً باعتقالي لانتقادي نهجه السياسي والاقتصادي، فقد فوجئت بعدد كبير من المصفحات تحاصر بيتي وبجيش كبير أتى لاعتقالي ومع ذلك رفضت أن أفتح الباب لهم فقاموا بكسره واعتقلوني، تجربتي في السجن كانت تجربة ثرية إذ حولت قسوتها لسعادة داخلية ونجاح فقد ألفت روايتي «مذكراتي في سجن النساء» على ورق التواليت والتبغ وبقلم الحواجب».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن