كشفت جوليا غيلدهيل في مجلة «ديفينس ون» الإلكترونية الأميركية في 19 آذار الجاري أن الاحتلال الأميركي لأفغانستان عام 2001 وللعراق في عام 2003 «أخفق في تحقيق الهدف الأميركي المعلن بتصفية الإرهاب الذي شكلته مجموعات القاعدة وما تولد عنها من منظمات مماثلة حتى الآن»، والسؤال المناسب أمام هذا الاستنتاج هل كان من مصلحة واشنطن تصفية الإرهاب؟
من الواضح أن الإدارات الأميركية بموجب ما تبين من تطورات حروبها هذه كانت تصف مجموعات القاعدة في تلك السنوات بالإرهابية وتصف في الوقت نفسه كل المناهضين التاريخيين لهيمنتها وسياساتها الإمبريالية «بالإرهاب» أيضاً برغم أن مجموعات القاعدة كانت تستهدف هؤلاء المناهضين للهيمنة الأميركية في سورية وإيران ولبنان، وكل مكان بشكل مباشر وشديد، بعلم واطلاع الولايات المتحدة، وبهذه السياسة كانت وكالات المخابرات الأميركية تتيح في إستراتيجيتها المزعومة بمحاربة الإرهاب تجنيد نفس إرهابيي القاعدة في العراق وأفغانستان ضد المناهضين لسياسة العدوان الأميركية وهذا تماماً ما أثبتته وقائع كثيرة حين انتهكت الولايات المتحدة الأراضي السورية بحجة محاربة إرهابيي القاعدة وداعش والنصرة، وهم الذين سمحت لهم هي وحلفاؤها بنقل مجموعاتهم إلى الأراضي السورية بعشرات ثم بمئات الآلاف، وهذا يعني أن واشنطن لم يكن هدفها ضرب الإرهابيين والتخلص منهم لكي تعتقد غيلد هيل أن واشنطن فشلت في إنهاء الإرهاب من العراق وأفغانستان بل إنها لم تكن معنية بإنهائه إلا بعد استنفاذ هدفه وبعد توظيفهم في حرب طائفية في كامل المنطقة والعمل على نشرهم في كل منطقة تناهض الهيمنة الأميركية.
إن إرهابيي القاعدة وأمثالها لم يكونوا يستهدفون في 90 بالمئة من عملياتهم، القوات الأميركية بل القوى المناهضة للاحتلال الأميركي والمواطنين العراقيين في العراق، وهو نفس ما فعلوه حين نشرتهم بواسطة حلفائها في سورية. وتشير غيلد هيل نفسها إلى هذه النتيجة بشكل غير مباشر حين تذكر في تحليلها أن الولايات المتحدة شنت منذ غزو أفغانستان عام 2001 حروباً كثيرة وشاركت بقتال مباشر في 24 دولة وما بين 2018-2020 أصبحت تشارك بنشاطات حربية باسم محاربة الإرهاب في 85 دولة أي في 44 بالمئة من دول العالم، وسفكت منذ عام 2001 دماء أكثر من 800 ألف من البشر نصفهم من المدنيين، وشردت أكثر من 37 مليوناً في أفغانستان والعراق وسورية وباكستان واليمن والصومال وليبيا والفلبين وكلفتها هذه الحروب 6.4 تريليونات دولار.
هذا ما يفسر زيادة عدد المنظمات الإرهابية المماثلة لمجموعات القاعدة وداعش بنسبة خمسة أضعاف عما كانت عليه قبل 19 عاماً، فقد ازداد عدد هذا النوع من المجموعات الإرهابية بموجب الأرقام التي ذكرتها غيلد هيل بمئة وخمس منظمات بموجب القائمة الخاصة بوزارة الخارجية الأميركية!
وكان «المجلس العلمي الدفاعي لقوات المهام الأميركية – DSBTF» قد اعترف في أحد تقاريره أن العمليات الأميركية العسكرية باسم محاربة الإرهاب نتج عنها خلال 17 سنة زيادة ملحوظة في «نشاط المجموعات الجهادية المتطرفة» وفي استمرار ظهورها وهذا ما يدل أيضاً على الدور الأميركي المباشر والممنهج في نشرها لاستخدامها بشكل متواصل بل تجنيد الحلفاء من دول المنطقة لتمويلها تحت مظلة محاربة الإرهاب.
هذا ما تثبته وقائع الحرب الكونية على سورية التي جندت لها واشنطن مئات الآلاف من الإرهابيين المدعومين من أكثر من مئة دولة وطرف إلى حد جعل عددهم يزداد على الساحة السورية وحدها ليصبح بموجب الأرقام الإسرائيلية أكثر من 40 منظمة كبيرة ومتوسطة الحجم إضافة إلى مجموعات مماثلة منبثقة عنها وبوجود قوات أميركية في شمال شرقي سورية.
كما تثبت كل وقائع وتطورات الحرب في الساحة السورية أن الجيش العربي السوري وحلفاءه في المنطقة هم الذين شكلوا جبهة القتال والحرب المباشرة والحاسمة ضد الإرهابيين وانتصروا عليهم وعلى حلفائهم وقد ظهرت هذه الحقيقة أمام العالم لتدل على أن الإدارات الأميركية هي التي تصدر الإرهاب وتنقل قواتها وأجهزة مخابراتها إلى الأماكن التي تصدر لها الإرهاب لحمايته وتوسيع وجوده لمحاربة المناهضين لهيمنتها ولن تهدأ الحرب على سورية إلا بتصفية الإرهابيين والردع الحاسم لحلفائهم.
لا شك أن جبهة المتصدين لهذه الحرب الأميركية التي تستخدم المجموعات الإرهابية، ستتوسع في مجابهة السياسة الأميركية لأن واشنطن بدأت تهيئ لاستخدام هذه المجموعات بشكل مكثف تحريضي وإعلامي واستخباراتي ضد الصين وروسيا، ولذلك ستواجه الإدارة الأميركية جبهة عالمية وليس إقليمية فقط مضادة لهذه المنهجية العدوانية ضد شعوب العالم.