من دفتر الوطن

تذكر أنك بشر

| عبد الفتاح العوض

كثير منا إن لم نقل كلنا مرّت عليه لحظات أسكره غرور ما لسبب ما ربما يكون منطقياً ومتجانساً مع حالته أو ربما يكون غروراً غبياً بلا سبب ولا منطق.
لكن سواء كنا من هذا النوع أو ذاك تأتي دروس الدنيا وابتلاءات الحياة لتعيد ميزان العقل ليعمل بطاقته القصوى، ثم يصبح من الطبيعي أن ينخفض الغرور إلى أدنى مستوى وربما يختفي.
المسألة لا تتعلق بالفقر والغنى أو بالمستوى الاجتماعي أو بالكراسي التي تجلس عليها، هي صفة تكاد تكون قابلة لكل أنواع البشر، لكن أصحاب المال والسلطة أكثر الأشخاص الذين يملكون المواد الأولية للغرور ثم يليهم أصحاب الإبداع والشهرة وفي ذلك حديث كثير.
ولا ندري مَن أكثر غروراً النساء أو الرجال، فربما يميل الرجال للظهور بحال الغرور فيما يشبه «انتحال صفة مغرور»، وثمة قول إن الغرور عند النساء ليس عملاً واعياً بل غريزة.
وثمة دول مغرورة وفي حديث التاريخ أن كل الإمبراطوريات تنتهي عندما تبدأ بالغرور، وغالباً ما يصيبها الغرور في تلك اللحظة التي تملك القدرة على أن تجعل الدول الأخرى في خانة الطائعين.
دعنا من غرور الدول، فما يتفق عليه الناس جميعاً أن أسوأ أنواع الغرور تلك التي لا يكون فيها أي مادة أولية للتكبر والغرور، مثل الثلاثة الذين لا يكلمهم اللـه ومنهم «عائل مستكبر» والعائل هنا الفقير.
وعندما يحدث الغرور والعجب مع أصحاب السلطة على سبيل المثال فإن ذلك يعتبر من المسارات المتوقعة.
يروي الكاتب الصحفي المعروف محمد حسنين هيكل، أنه أثناء زيارة الرئيس جمال عبد الناصر إلى دمشق إبان الوحدة وقف على شرفة قصر الضيافة وكان استقبال السوريين بالنسبة له مفاجأة كبرى، فهو لم يتوقع أن لديه كل هذا الرصيد في دمشق، لكن- كما يصف هيكل- تزاحمت أمواج بشرية لتحية عبد الناصر، وبعد وقت من الوقوف والتلويح باليدين دخل الرئيس عبد الناصر من الشرفة وكان محمد حسنين هيكل أول من قابله، فسأله الرئيس وهو بحال «اختيال» ما رأيك.. يقول هيكل قلت له «تذكر أنك بشر».
أما أصل تذكر أنك بشر، فحسب ما يروى أن القادة الرومان كانوا يعتبرون «نصف آلهة» وهنا قرر مجلس الحكماء أن يرافق القائد شخص هادئ عند لقاءاته مع «الجماهير» وهم يعظمونه ويتعاملون معه كالآلهة ويهمس في أذنه بين الحين والآخر.. تذكر أنك بشر.
الآن هذه العبارة نسمعها من صروف الدهر وأحواله.. نعيشها عياناً لا سمعاً ولا رواية…
أختم بأسطورة عن ابن إله اسمه نرسيس وهي أصل «النرجسية» فقد كان جميلاً ومعجباً جداً بجماله ظل ينظر لانعكاس وجهه في الماء حتى وقع وغرق.
الأسطورة استفاد منها فرويد في الحديث عن العقدة النرجسية.. فأيها «النرجسيون» رفقا بأنفسكم، وإن كان الغزالي له رأي بأن في كل الناس جزءاً من الغرور وقد ألف كتابا تحت هذا العنوان «الكشف والتبيين في غرور الخلق أجمعين».
أقوال:
• بينكم وبين الكمال حجاب من الغرور
• الغرور هو الرمال المتحركة التي يغرق بها المنطق

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن