دفتر النسوان الشامي وحكايات الزمن … موروثات شعبية تتبادلها النسوة في الجلسات.. تجاوزها الزمن
| أنس تللو
على الرغم من التقدم العلمي الكبير الذي وصلت إليه البشرية في العصر الحالي، مازال بعض الأشخاص ترتبط أفكارهم وعقولهم ببواقي من الزمن القديم، وتراهم متعلقين بخرافات عتيقة أكل عليها الدهر وشرب.
في الماضي البعيد حين كانت تجتمع النساء مع بعضهن وتدور بينهن الأحاديث والمجاملات، كانت تتواردُ الأفكار وتزدحم المعاني وتختلط الجمل مع بعضها فتتناثر هنا وهناك كلمات وجمل يكون بعضها قريباً من الحكمة أو هو الحكمة نفسها، ويكون بعضها الآخر أشبه بالخرافة البعيدة كل البعد عن التفسير العلمي أو المنطقي الدقيق.
من بعض هذه الكلمات الشاردة نشأ ما يسمى بـدفتر النسوان الشامي، وهذا الدفتر يحمل في أكثره تعليمات وإرشادات قد يصح بعضها لكن معظمها غير صحيح… من ذلك مثلاً أنهن يُعلِّقنَ أمراً ما بكل يوم من أيام الأسبوع:
يوم السبت: تمنع المرأة إدخال قطع الصابون في هذا اليوم إلى البيت أو إخراجها لأن هذا من شأنه أن يسبِّبَ وفاة أحد أفراد المنزل وتغسيله بها.
يوم الإثنين: لا يجوز غسل الثياب يوم الإثنين، لأنهن يزعمن أن السيدة فاطمة قد ادّعت أن غسيل الإثنين لا ينقّى وأن صاحبه لا يبقى.
يوم الثلاثاء: تمنع خياطة أو قص الثياب لأن الثوب المخاط في هذا اليوم يذهب حرقاً أو إرثاً.
يوم الأربعاء: لا يجوز زيارة المريض يوم الأربعاء، لأن هذه الزيارة قد تمنع عنه الشفاء.
كذلك كان لهنَّ شأن مع الحيوانات فكنَّ حين يرينَ فراشة تطير في البيت يعتقدنَ أن هذه هي روح من أرواح أحد المتوفين من أهل البيت قد رجعت لتفقد أحوال البيت بعد أن حنَّت إليه، لذلك يجب العطف عليها وعدم إيذائها.
وحين يرين قطة سوداء يقُلن عنها إنها جنية متخفية لذلك يجب تحاشيها… وإذا وقف الغراب على أحد المنازل وصاح فإن صياحه رسالةٌ تدل على أن أحد المسافرين الغائبين سوف يعود خلال يومين أو أسبوع.
وإذا ما مسحت قطة البيت وجهها بيدها، فهذه إشارة إلى أن هناك ضيوفاً قادمين إلى المنزل بعد قليل.
وهناك كذلك بعض الأمور الغريبة التي كنّ يتقيدن بها، مثل:
إياك أن تقص الأظافر ليلاً لكيلا ترى منامات كئيبة.
لا تلقِ ماء ساخناً على الأرض حتى لا تصيب حرارته الجن فيخرجون لينتقموا منك.
إن قطع شجرة من أشجار المنزل يؤدي إلى وفاة صاحبه.
لا ترش أحداً بالماء لأن ذلك يؤدي إلى الفراق بينكما.
والأغلب أن مردّ ذلك كله إلى بعض المصادفات التي كانت تحدث آنذاك ؛ فيتم تفسيرها على أنها أمور مخالفة للعادات المنطقية.
على أن الأغرب من ذلك أنهن كنَّ يعتقدن أن جسد الإنسان قد يعطي إشارات معينة مرتبطة بالأقدار القادمة ؛ فإذا ما طنَّت الأذن اليمنى فهذا يعني أن هناك صديقاً محبَّاً يذكرك في هذه اللحظة، أما إذا طنَّت الأذن اليسرى فهذا يشير إلى أن هناك عدواً يذكرك الآن.
وإذا ماشعرت بحكة في يدك اليمنى فإنك ستقبض قريباً مبلغاً من المال، أما حكة اليد اليسرى فتعني أنك ستدفع مالاً… أما إذا كانت الحكة في الحاجبين فإن هذا يعني أنك ستذهب قريباً للسلام على شخص غائب.
وإلى اليوم مازال بعض الأشخاص يقولون:
إن يدي اليمنى تحكني ربما سأقبض مالاً قريباً جداً.
وهناك أمور أغرب من ذلك قد تكون مرتبطة ببعض الخرافات القديمة، مثل قولهن:
إذا حدثت وفاة في المنزل وحضر المغسّل وقام بعمله فيجب أن يخرج المغسّل قبل إخراج المتوفى لئلا تتكرر الوفاة بوفاة ثانية.
يمنع إقامة الأعراس يوم الجمعة، لأنه ــ كما يقلن ــ عروس الجمعة قريبة الرجعة… ومن المضحك أنهن كن يعطين العروس قطعة من العجين لكي تلصقها خلف الباب ساعة دخولها إلى بيت الزوجية لأن هذا الإلصاق سيجعل العروس تلتصق بهذا البيت إلى الأبد.
هذا غيض من فيض من دفتر النسوان الشامي، والذي أظنه أن معظم معلوماته قد وصلت إلى صاحباتها من أحد أبواب المصادفة المحضة، أو أن كل فكرة كان وراءها قصةٌ ما قد حصلت في ظروف مناسبة وأوحت إلى الآخرين بأن هناك يداً خفية تعبث من وراء الستار.
كان هذا في الماضي البعيد حين كان الجهل يطوف بالمرأة الأمية، أما اليوم فقد أوشك معظم هذه الخرافات أن ينقرض من مجتمعاتنا، إذ باتت النساء متعلمات ومثقفات ولا يقبلن ( الانصياع) وراء هذه الترهات من دون وجود دليل علمي أو منطقي واضح إلا ما ندر.
ورغم ذلك مازال هناك قلة ممن يتبعون تعليمات دفتر النسوان هذا في حياتهم اليومية.
والذي أستغربه هنا – على سبيل المثال-ـ أنه مازال إلى اليوم بعض الأشخاص يتشاءمون من الرقم ( 13)، ويعتبرون أن هذا الرقم يثير التشاؤم ويجلب النحس، حتى إن بعض الفنادق العالمية تحذف هذا الرقم من أرقام غرفها، وبعض إصدارات اليانصيب تتجاوز الرقم الذي ينتهي بثلاثة عشر.
ولله في خلقة شؤون.