من الصفحات المجهولة في تاريخنا … من صبحي بركات.. وكيف يتحول المقاوم إلى عدو المقاومين؟
شمس الدين العجلاني :
في تاريخنا قصص وعبر، والتاريخ لا يرحم وإن غاص أحياناً في المتاهات عامداً متعمداً، ولكن في المحصلة لا بد للحقيقة أن يسطرها التاريخ كما هي دون إضافات ورتوش…
في تاريخنا قصص وسير مع الأسف لا يعرف عنها جيلنا أو بقية الأجيال شيئاً!؟ ولا بد للجهات المعنية من إعادة كتابة التاريخ كما هو على حقيقته، ووضع برامج ودراسات مدرسية وغير مدرسية تروي قصص وسير من مروا على صفحات تاريخ سورية!؟
في تاريخنا حكم سورية العديد من الشخصيات غير السورية وغير العربية!؟ ونحن نجهل من هم وماذا كانوا يخططون وبإمرة من كانوا يأتمرون.. لنقرأ سيرة رئيس سورية صبحي بركات «الخالدي».
صبحي بركات
هو صبحي بن رفعت آغا بركات، ولد في انطاكية عام 1889م ويعد من وجهاء انطاكية المقيمين في حلب، وعائلته من «الآغاوات» ومن العائلات الإقطاعية. ويحمل بركات الجنسيتين التركية والسورية، وهنالك من ذكر أن جذور عائلته تركمانية، غير أنه كان تركياً أكثر مما كان سورياً.
كان بركات يتكلم اللغة العربية بصعوبة، وأحاط نفسه بحاشية من التركمان، شغلت معظم الوظائف العامة العليا بالدولة السورية ولاسيّما تلك المرتبطة مباشرة بالقصر الجمهوري، وعرف عنه تفضيله حلب لتكون عاصمة البلاد، وهو ما ساهم في تدني شعبيته رغم ما تمتع به من «ذكاء وجاذبية» كما يقول المؤرخ «ستيفين همسلي لونغريج».
وعندما بدأ نجمه يسطع في عالم السياسة، ادعى بركات أنه من أحفاد القائد العربي خالد بن الوليد، ولهذا صار يسمي نفسه: صبحي بركات الخالدي!؟.
انتخب بركات نائباً في البرلمان العثماني عن انطاكية، ومثل أنطاكية في المؤتمر السوري الأول الذي انعقد عام 1919، وساهم في إعلان المملكة السورية عام 1920 بقيادة الملك فيصل.
فاز بركات بمقعد في المجلس التمثيلي لحلب عام 1922، ومقعد في البرلمان السوري خلال انتخابات عام 1928، وانتخابات 1931، وشغل منصب رئيس البرلمان السوري من عام 1932 م وحتى عام 1936، وتولى رئاسة حكومة دولة الاتحاد السوري (دولة حلب ودمشق واللاذقية) بين عامي 1922 و1924، ورئيساً للوزراء ورئيساً للدولة السورية بين عامي 1924 و1925، ورئيساً للوزراء عام 1925.
قدم بركات استقالته بتاريخ 21-12-1925 احتجاجاً على فصل منطقة اللاذقية عن الدولة السورية، كما تعرض بركات لمحاولة اغتيال عام 1931 في بيروت.
وأخيراً نزح عن سورية وانتخب نائباً في البرلمان التركي وبقي عضواً فيه حتى وفاته بتاريخ 23/7/1940، ودفن في أنطاكية.
عودة إلى الوراء
عند دخول المستعمر الفرنسي إلى بلادنا شكل بركات قوة من أبناء المناطق الشمالية السورية لمقارعة المستعمر الفرنسي، وتعاون مع الزعيم الوطني إبراهيم هنانو في ذلك، فكان صديقاً ورفيقاً لهنانو، وخصوصاً في الفترة الواقعة بين أيار 1919 وتموز 1920.
تلقى بركات في ثورته ضد المستعمر الفرنسي الدعم والسلاح من تركيا… ولكن لما تمت المصالحة والتفاهم بين الأتراك والمستعمر الفرنسي وعقدوا الاتفاقية حول سورية، أوقف بركات مقاومته للمستعمر الفرنسي، وانضم إلى الجانب الفرنسي!؟ وبدأ يتعقب الزعيم هنانو ثم انضم تحت لوائه. وحين رشحه الفرنسيون عن حلب كمندوب عنها في المجلس التمثيلي ألقى سلاحه.
وتروي بعض المصادر أن المدعو محمود الشركسي أحد وجهاء حلب لعب دوراً في التقارب بين المستعمر الفرنسي وبركات، حين قام الأخير بواسطة من الشركسي بزيارة بيروت والتقى فيها هنري غورو واتفقا على كل شيء!؟.
ومنذ ذاك اللقاء انضم بركات تحت مظلة المستعمر الفرنسي قلباً وقالباً وناصب العداء للزعيم هنانو وبقية الوطنيين السوريين ، حتى قيل إن بركات من الأعداء التاريخيين للزعيم هنانو.
عين المستعمر الفرنسي صبحي بركات الخالدي رئيساً للاتحاد السوري «دولة دمشق ودولة حلب ودولة اللاذقية» من 28-6-1922 إلى 21-12-1924. وبعد انتهاء عمل المفوض السامي الفرنسي في سورية ولبنان هنري غورو، تم تعيين ماكسيم فيغان مفوضاً فرنسياً، طالب السوريون بالوحدة بعد أن كان المستعمر قد قسم سورية إلى عدة دويلات، وقد استجاب فيغان لطلبتهم واصدر قراراً برقم 2980 تاريخ 5-12-1924 ينص في مادته الأولى: (تتحد دولتا حلب ودمشق ابتداءً من أول كانون الثاني 1925) وتنص المادة 16 منه: (تقوم الدولة السورية مقام دولتي حلب ودمشق). وتولى بركات هذه الدولة.
شهدت رئاسة بركات حيزاً من حرية العمل السياسي والاجتماعي، ويعزى إليه إصدار العملة الورقية السورية في آب عام 1922 وانشأ الدرك السوري، وفي المقابل ازدادت المحاباة زمن رئاسة بركات، وتعيين الأقارب، وانتشار الرشاوى، في أروقة الحكومة.
في زمن رئاسة بركات قاد الزعيم الوطني المعروف عبد الرحمن الشهبندر معارضة قوية ضده، منادياً بالسيادة والوحدة الوطنية، والحرية الشخصية التامة، والإصلاحات ولاسيما في القضاء…
وحين قيام الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش، لم يدعم بركات هذه الثورة، أو يقرّ مطالبها أو يؤيد البيان الذي أصدره سلطان الأطرش، وطلب من أجهزة الدولة المختلفة بمن فيهم الوزراء العمل بذلك. وأصدر في 18 تشرين الثاني عام 1925 قانوناً يقضي بعقوبة السجن حتى سنتين وبالغرامة حتى خمسمئة ليرة على «كل من يلقي الذعر في نفوس الشعب، ويشوش الطمأنينة العامة، في الصحافة أو المجتمع»!؟
في عهد بركات اشتدت الاضطرابات والمظاهرات والمعارك ضده وضد المستعمر الفرنسي، ولم تأل الصحافة جهداً في فضح ممارسات بركات ضد الوطن والوطنيين..
بركات يلتقي كيش
في أيار من عام 1924 قام الصهيوني فريدريك كيش (1888-1943) رئيس اللجنة التنفيذية للصهيونية بزيارة لسورية ولبنان وفلسطين، والتقى قيادات المستعمر الفرنسي والبريطاني في هذه الدول….
واللافت للنظر لقاء كيش شخصيتين سوريتين بدمشق! واحتفاء هاتين الشخصيتين برئيس اللجنة التنفيذية للصهيونية!
الشخصية الأولى كما يشير وليد المعلم في كتابه «سورية 1916-1946 الطريق إلى الحرية» كانت حقي العظم، فكان أن: «استقبل حقي بك العظم الكولونيل كيش ثم رد له الزيارة في فندقه، وتعبيراً عن صداقته وضع تحت تصرفه سيارته الخاصة وخصص له شرطياً يُرافقه» الشخصية الثانية: صبحي بركات: «..وكذلك تبادل الكولونيل كيش الزيارة مع صبحي بركات رئيس الاتحاد السوري».
و هنا يبرز السؤال الكبير والخطر، لماذا هذا اللقاء مع الشخصيتين المعروفتين بولائهما للمستعمر الفرنسي؟ وما الاتفاق أو الحديث الذي تم بينهما؟
شهادة نصوح بابيل بصبحي بركات
نصوح بابيل عملاق الصحافة السورية والسياسي البارع صاحب جريدة الأيام كبرى الصحف الوطنية التي قادت معركة الاستقلال، يقول بابيل في كتابه صحافة وسياسة: «صبحي بركات، وإنه من أتراك انطاكية و«آغواتها» ومن عائلة إقطاعية، فلما اجتاحت فرنسا المناطق الشمالية من سورية، تزعم عصابة من المقاتلين، وبدأ يقاوم الاحتلال الفرنسي وكان جبل بيلان مسرحاً لثورته. ولما تمت المهادنة بين الأتراك والفرنسيين ألقى السلاح، وانضم إلى الجانب الفرنسي، وبدأ يتعقب جيش الزعيم الخالد إبراهيم هنانو ويضايق جيش هذه الثورة، ثم لما رشحه الفرنسيون عن حلب كمندوب عنها في المجلس التمثيلي ادعى أنه من أحفاد القائد العربي خالد بن الوليد، ولهذا صار يسمي نفسه: صبحي بركات الخالدي».
شهادة أدهم الجندي بصبحي بركات
أدهم آل الجندي مؤرخ معروف وصاحب أهم كتاب عن تاريخ الثورات السورية والذي نشره عام 1960 ويقول في كتابه: (لا ندري العوامل التي أضعفت عقيدته الوطنية «والحديث عن صبحي بركات»، ومن المشهور عنه أنه قال علنا: «إنه لم ينم ليلة نوماً هادئاً مثل الليلة التي ضرب الفرنسيون فيها دمشق بالمدافع وخربت على رؤوس أهلها وقد ذكرهم بكل قبيح). ويتابع الجندي بالقول: (لما اقترن «والحديث عن صبحي بركات» واحتفل بعرسه، كانت دمشق تلتهب بالنيران، وأقام حفلة طرب وغناء في داره، فكان هو يطرب، ومن ورائه تصعد أنات المظلومين، وبكاء المكلومين المنكوبين).