ربما كان رئيس الدولة في تل أبيب روبي ريفلين أول من يعترف علناً يوم الثلاثاء، صبيحة يوم الانتخابات الإسرائيلية الرابعة خلال أقل من عامين، بأن «إسرائيل تمر الآن بأزمة سياسية لم تشهد مثيلاً لها منذ 73 سنة على وجودها»، وهذا ما نقلته صحيفة «جروزليم بوست» الإسرائيلية.
إذا كان ريفلين يتحدث عن الأزمة الداخلية فإن أوري باراون وهو أحد المحللين رفيعي المستوى في مركز أبحاث إسرائيلي باسم «ييتسور يداع» أي «إنتاج المعرفة» الذي يديره بينحاس يحزقيلي رئيس «مركز دراسات العلوم الإستراتيجية والسياسية» سابقاً، يبين في تحليل تناول فيه الوضع الخارجي المحيط بإسرائيل ونشره أمس بعنوان «محور الضغط الشرق أوسطي يهدد بالانفجار على رؤوسنا» يعدد فيه المخاطر التي تتعرض لها إسرائيل من جوارها في ظل أزمات انتخابية متواصلة إلى حد احتمال عقد انتخابات خامسة بعد هذه الدورة الرابعة أمس الثلاثاء ويعدها أخطاراً غير مسبوقة وأهمها بموجب ما يقوله:
1- هناك حبل يسعى لخنق إسرائيل بحرب صواريخ بعد أن أصبحت الجبهات المحيطة بنا تملك عشرات آلاف الصواريخ وذات مدى متنوع وعدد منها مجهز بتكنولوجيا دقة الإصابة إضافة إلى مئات من طائرات مسيّرة انتحارية وهذه المنظومات يمكن أن تنطلق ضد جبهة الشمال من سورية وجنوب لبنان، وضد جبهة الشرق من العراق وإيران، وضد جبهة الجنوب من اليمن، وكذلك من غرب جنوب إسرائيل من قطاع غزة.
2- هناك خطر أن تتحول إيران إلى قوة نووية حربية إذا لم يتم الاتفاق الأميركي معها على العودة لاتفاق عام 2015.
3- هناك تزايد في قدرات الفلسطينيين في قطاع غزة.
4- هناك أزمة كورونا متفاقمة في المملكة الأردنية قد تزيد من الأزمة الداخلية ويتعرض اتفاق السلام مع الأردن إلى التدهور والزوال.
بموجب هذه الأخطار يطلب باراون من أي حكومة جديدة «أن تتولى التركيز على تخفيض درجة وحدة هذه الأخطار» ما دامت الحكومة الإسرائيلية التي يترأسها بنيامين نتنياهو ووجوده منذ عام 2009 لم يؤديا إلا إلى بقائها وتفاقم مضاعفاتها على إسرائيل.
يبدو أن الحقيقة التي تؤكد نفسها أمام ما يتحدث عنه هذا الكاتب الإسرائيلي في موقع أبحاث كهذا هي أن بعض هذه الأخطار لم يكن موجوداً في حسابات إسرائيل وخاصة صواريخ اليمن والعراق التي يشير إليها الكاتب الإسرائيلي، وهذا يعني أن الحرب السعودية على اليمن لم تفشل فحسب، بل ولدت جبهة حرب جديدة بالصواريخ على إسرائيل، وإن كانت بعيدة في الجغرافيا، كما أن قوى المقاومة في العراق ترى إسرائيل أن مجموعاتها تثبت بين مناسبة وأخرى قدرة على ضرب قواعد عسكرية أميركية في بغداد وتبقى في ساحة الميدان متأهبة لأي احتمال، وهذا يعني بلغة باراون أن حلفاء محور المقاومة يزدادون قوة من دون أن يكون في مقدور القوات الأميركية في العراق أو القوات السعودية في شبه الجزيرة العربية التخلص منهم ومن قدراتهم على حين يزداد قلق إسرائيل من هذه التطورات.
لا بد من التساؤل عن مدى قدرة الإسرائيليين على تحمل هذه المخاطر التي مروا ببعض صواريخها عام 2006 من جنوب لبنان وعام 2014 أو 2018 من قطاع غزة وشاهدوا بأعينهم المجردة نتائجها على مستوطناتهم ولا تزال في ذاكرتهم.
لذلك يرى معظم المحللين العسكريين الإسرائيليين أن إسرائيل تشهد وضعاً لم تستطع منع وجوده، فلا سورية ضعفت بالشكل والمضمون اللذين أرادتهما تل أبيب وواشنطن وحلفاؤهما بعد حرب عشرة أعوام عليها، ولا صواريخ جنوب لبنان زالت، ولا إيران توقفت عن ابتكار قدرات صاروخية وتكنولوجية بلغت درجة متقدمة في مواجهة القوة الأميركية وسواء أشعلت إسرائيل حرباً بهدف التخلص من هذه الأخطار أم بقيت تناور على غرار السنوات الماضية ما بين التهديد بالحرب أو بقاء الوضع الراهن، فإن أياً من الخيارين سيضع المستوطنين أمام التفكير بخيار متوافر بين أيديهم بموجب الدوافع النفعية لاستيطانهم وهذا الخيار هو حمل جوازات سفر أوطانهم التي جيء بهم منها، وقد استعادوها منذ عقدين، لاستخدامها بالرجوع إلى أصولهم، وهذا ما كان قد حدث بعد تساقط صواريخ المقاومة اللبنانية عام 2006 خلال 34 يوماً على الإسرائيليين، وجعل عشرات الآلاف يغادرون إلى أوروبا وأميركا وكندا بجوازات سفرهم ومواطنيتهم الأساسية.