قد تكون تلك الصواريخ التي استهدفت سوقاً للنفط السوري المسروق، يسيطر عليه إرهابيو «جبهة النصرة»، بالقرب من مدينة سرمدا على الحدود السورية التركية شمال محافظة إدلب، مجهولة المصدر، إلا أنها بالتأكيد تحمل رسائل واضحة المعنى، وإشارات ضخمة ضخامة النيران التي اندلعت في ذاك السوق، وهي موجهة إلى «شركاء اللصوصية» في سرقة ثروات سورية، من أصيل ووكيل وما بينهما من سماسرة.
ثمة مشاهد عدة تكررت منذ أسابيع، متباعدة في الجغرافيا، إلا أنها قريبة في المضمون، وهي تشكل إذا ما اجتمعت صورة متكاملة وواضحة المعالم، تشي عن الموقف العريض لكل من سورية وروسيا، من مسألة سرقة النفط السوري من الاحتلال الأميركي، ومن التاجر التركي، الذي يشتري على الجانب الآخر، ومن السمسار الوسيط ميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية- قسد» العميلة للاحتلال الأميركي، و«جبهة النصرة» الإرهابية.
لم يكن سوق تهريب النفط السوري المسروق في سرمدا، علبة البريد الأولى، التي يتلقى من خلالها رئيس النظام التركي ومرتزقته رسالته الأولى، وإنما سبقها رسائل عدة عبر علبة بريد سوق نفط جرابلس، وسوق منطقة الباب التي يسيطر عليها الاحتلال التركي ومرتزقته من التنظيمات الإرهابية الموالية له، رسائل يبدو أن رئيس النظام التركي عجز عن ترجمتها أو قرأها بتمعن وفهم مضمونها بشكل جيد، إلا أنه وكعادته تجاهلها، متكئاً على اللعب على حبل الوقت، والضغط بأوراق أخرى في شمال شرق سورية أو أوراق خارجية في ليبيا واليمن وغيرهما.
في الظاهر فإن استهداف أسواق النفط السوري المسروق في مناطق سيطرة الاحتلال التركي ومرتزقته، يعتبر بالمفهوم العسكري ضربة صاروخية أو جوية لأهداف معادية، قد يأخذ أبعاداً وتداعيات ضمن النطاق العسكري والميداني، إلا أن تلك الاستهدافات، ليست كذلك فقط، بل هي رسائل سياسية بطعم البارود، لعدو، لا يعرف سوى تلك اللغة، مؤشراتها الأولية، تحذيرية، وبأنها قد تكون تمهيدية لضربات تطول مراكز «السرقة» الرئيسية التي يستخدمها «لصوص النفط».
يأتي استهداف أسواق النفط السوري المسروق وحراقاته في مناطق سيطرة الاحتلال التركي، ليكشف «إخوة الأعداء» السرية بين النظام التركي وميليشيا «قسد»، ودور العراب الأميركي المحتل، ذاك التحالف الذي يهدف إلى منع الحكومة السورية من الاستفادة من ثرواتها، بما يزيد من معاناة الشعب السوري، وهذا الكلام ليس ضرباً في «الرمل أو المندل»، ولا كلاماً عاطفياً، فالحقائق على الأرض تؤكد أن النفط السوري المسروق الذي تديره قوات الاحتلال الأميركي يصل إلى مناطق سيطرة الاحتلال التركي ومرتزقته عبر وساطة ميليشيا «قسد»، وهذا الأمر ينفي العداوة العلنية التي تدعيها الميليشيا مع النظام التركي أو العكس.
بين النفي الرسمي العلني لكل من ميليشيا «قسد» والاحتلال التركي عن تعاونهما في مجال سرقة النفط السوري، والتعاون الخفي، هناك الكثير من الحقائق الدامغة، والاعترافات الدولية التي تفضح ذاك التعاون، منذ أمد ليس بالقريب، حيث نشرت صحيفة «المونيتور» الأميركية مقالات عدة ونقلاً عن مصادر مطلعة، خاصة عام 2019 أن جزءاً من النفط السوري خاصة من حقل نفط الرميلان بريف الحسكة الذي تحتله القوات الأميركية و«قسد»، يتم تهريبه عبر الحدود إلى إقليم كردستان العراق ثم إلى تركيا، ونقلت «المونيتور» عن مسؤول تركي مرتبط بالاستخبارات أنه ابتداء من تموز 2012، بدأت ميليشيا «قسد» بالسماح ببيع النفط للشركات التركية عبر مدن عين العرب والقامشلي وعفرين.
ما قالته «المونيتور» وغيرها الكثير من التقارير والتصريحات، إنما هو تأكيد المؤكد، فقضية سرقة النفط السوري، والتعاون بين الثالوث «الأميركي – التركي- قسد»، إنما شبيه بسطوع الشمس، حيث لا يمكن حجبها بغربال، ولا يمكن لقطرة نفط أن تنتقل من أقصى الشمال الشرقي لسورية إلى أقصى الشمال الغربي من دون اتفاق أو تعاون بين ذاك «الثالوث» اللص.