سئلَ أحد الحكماء: ما هي العلاقة بينَ العقلِ والمروءَة؟ فأجاب:
إن كان العقل يدفعكَ نحو الأنفَع، فإن المروءة تدفعكَ نحو الأفضل.
في هذه المقاربة البسيطة يتضح لنا بأن ليس كل ما هو أنفَع هو الأفضل، لكن الأفضل حُكماً ذي منفعة، من هنا فإن الحديث عن المروءة ينطلق من بديهيات كثيرة أهمها بأنها مجموعة متشعبة من القيم التي تدفع الشخص لاحترام نفسهِ ومبادئهِ قبل احترام الآخرين.
قدر المروءة كصفةٍ أن تسيرَ بشكلٍ متجاور مع صفةِ الكرم، والوفاء، فالكرَم قد لا يحتمِل محاكمةَ المستفيد، لذلكَ قالوا في الكريم بأنهُ لا يبالي كم أعطى ولمن أعطى؟ و قد يتجسد في غضِّ الطرف عن زلّات الآخرين عندما يكونون ضعفاء، ألم يقولوا يوماً بأن العرب كانت تستنقص من يقتل أسيراً أو أعزلَ!
أما الوفاء فهو غني عن التعريف لكن ما قد نجهله بأن الوفاءَ مقترنٌ بالصدق فلا يمكن أن ننتظر الوفاء من كاذب، لنصلَ إلى نتيجة مفادها بأن الصفات الثلاث من كرمٍ ومروءة ووفاء تبحر في الهدف ذاته، وهي الصفات التي يجب أن يتحلى بها أي إنسان حتى يسمو بإنسانيته، وهل هناك من سمو أرفعَ من هذا السمو؟
قبل ساعاتٍ من الآن ضجَّت وكالات الأنباء بالخبرِ الذي يتحدث عن إعطاء الرئيس بشار الأسد توجيهاته لمنح لبنان كميات من الأوكسجين كحلِّ إسعافي لمشافيها، بعدَ تعذر وصول الأوكسجين المستورد عبر البحر بسبب حالة الطقس، ماينذر بكارثةٍ إنسانية وصحية. بعيداً عن أي تجميل للصورة فإن هناك من بين السوريين من سيقول بأن هذا الأكسجين قد يستفيد منهُ من يشتمنا ويشمَت بنا، بل وقد يقول قائل إن هناك متآمرين علينا قد يستنشقون ترياق حياةٍ يعطيهم المزيد من القوة لشتمنا، لكن الجواب على كل هذا الكلام بسيط جداً:
لاتطلب من الذي اجتمعت فيهِ صفات المروءة والكرم والوفاء أن يفكِّر بالطريقة ذاتها التي نفكر بها نحن؟
ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي تقوم بها سورية بإنقاذِ أرواحٍ بريئة لا علاقةَ لها بدهاليزِ السياسة، ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي تلبي فيه سورية نداءَ الإنسانية، فما بالك إن أضفنا إليها في الحالة اللبنانية تحديداً نداء الأخوة؟ الفكرة هنا واضحة فالكبير يتعاطى بكبرٍ تتماشى مع مكانته، والصغير وحده من يدخل في متاهات التفاصيل غير المجدية، فعندما نقوم باختصار لبنان ببضعة أمَّعات هذا اعتراف منا بأنهم نجحوا بفصل سورية عن لبنان، ولنتذكر دائماً بأن في لبنان لنا إخوة لم يترددوا يوماً عن نصرتنا قولاً وفعلاً.
هذهِ الرسالة هي لكل لبناني مازال يرى سورية من منظار زعيم طائفته الذي يستثمر به سياسياً، هي رسالة لكل لبناني مازال ينظر إلى السوري تلكَ النظرة العنصرية، لكن بالوقت ذاته فإن هذا الحدث عليه أن يكون درساً لكل سوري أيضاً لا يرى أبعدَ من عواطفهِ التي لاتأتي نفعاً في هكذا معركة.
في الخلاصة: قالوا في السابق «اتقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله»، سنستثمر بهذا القول لنقول: طوبى لمن اجتمعت فيه صفات المروءة والكرم و الوفاء لأنه ينظر بنورِ الله.
شكراً للرئيس بشار الأسد لأنك تجعلنا في كل مرة نفخر بأننا أبناء هذا البلد و تلك القيم التي نموت ولن نتخلى عنها.