قضايا وآراء

إعلاميون وسياسيون قادة بلا أخلاق

| أحمد ضيف الله

صورة الطفل السوري الغريق آلان عبد اللـه كردي (3 أعوام) من عين العرب في شمال سورية وهو ممدد ومنكفئ على رمال شاطئ بودروم التركي في الـ2 من أيلول 2015، بعد غرق القارب المطاطي الذي كان يقله وآخرين أثناء محاولتهم الهجرة إلى أوروبا، أوجعت وأدمت قلوب كل من شاهدها، حيث تحولت إلى عنوان رئيس تصدر أغلب وسائل الإعلام العالمية حينها، وكل ما فعلته هذه الصورة هي دفع كبار المسؤولين في الدول الأوروبية إلى البحث عن حلول وسياسات لملف تدفق اللاجئين إلى الدول الأوروبية! من دون التفكير باتخاذ أي إجراء لوقف تسهيل تدفق الإرهابيين والدواعش من مختلف دول العالم إلى سورية والعراق الذين يدفعون مواطني البلدين إلى الهرب من جحيم الاقتتال والذبح من دون رحمة.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس وزرائه أحمد داود أوغلو عزيا والد الطفل، على حين أعلن كريس ألكسندر وزير الجنسية والهجرة الكندية، أن وزارته عرضت الجنسية على الأب عبد اللـه كردي بعد حادث وفاة زوجته وابنيه، لكنه رفضها!
وسط كل هذا العصف الإعلامي، وما أُريد أن تؤديه تلك الصورة، تعمدت الوسائل الإعلامية العربية والأجنبية تجاهل طفلين آخرين عراقيين كانا على نفس القارب المطاطي نفسه ولقيا المصير نفسه، هما حيدر (8 أعوام) وزينب (12 عاماً)، رغم أن محطات فضائية عراقية عدة، أجرت مقابلات متلفزة مع والدهما أحمد هادي ووالدتهما، اللذين أكدا أن ولديهما «حيدر وزينب قد غرقا في المركب ذاته الذي كان يقل آلان»، وأن «والد آلان هو كان قائد المركب، ولم يكن هناك قبطان تركي كما ادعى لوسائل الإعلام»، فقد كان بعد الغرق يرجوهم ألا يذكروا أنه قائد القارب، لقد كان هو «التاجر والناقل»، مشيرين إلى أنهما شعرا بالاطمئنان له، لأنه اصطحب عائلته معهما لتهريبها إلى اليونان، محتفظين بحقهما في الادعاء عليه، ومبدين استغرابهما من قيام الحكومة التركية والعراقية ووسائل الإعلام بمواساته رغم أنه المسؤول عن وقوع الحادث، مؤكدين أن معظم الأحاديث عن «رحلة الموت» التي صرّح بها والد آلان قبل اختفائه، غير صحيحة، ومشيرين إلى أن القارب المطاطي كان به 14 راكباً.
مما يلفت النظر أن الأبوين لم يتمكنا من استلام جثماني ابنيهما من الجانب التركي ومن ثم دفنهما في كربلاء إلا في الـ9 من أيلول 2015!
وأمام زخم التغطية من الفضائيات العراقية لواقعة غرق الطفلين ودفنهما، حيث ما زالت المقابلات موجودة على اليوتيوب حتى تاريخه، لم تستطيع فضائية «العربية» تجاهل الحدث، فأجرت مقابلة مع والدة الضحيتين، ناقلة روايتها، إلا أنها أنهت تقريرها بالقول: «لم يتسنَ لنا التأكد من دقة الرواية لعدم تمكننا من العثور على والد الطفل آلان»!
في الـ7 من آذار الجاري، وفي ختام القداس الذي أحياه البابا فرنسيس في أربيل، ظهر عبد اللـه كردي والد الطفل آلان، الذي اختفت آثاره منذ دفن ولده في عين العرب السورية! ملتقياً البابا الذي أصغى لـ«آلامه لفقدانه عائلته»، حسب بيان الفاتيكان.
الطفل السوري عمران دقنيش (5 أعوام) الذي أُنقذ من تحت الأنقاض في المنطقة الشرقية من حلب، والذي تصدرت صورته في الـ18 من آب 2016 وسائل الإعلام العالمية، ووجهه مذهول ملطخ بالدماء والتراب، لاقت صورته انتشاراً واسعاً في العالم لبراءة الطفل، وللعاطفة التي ألمَت بكل من شاهدها، مُمررين صوراً لجماعة «الخوذ البيضاء» التي تمولها الحكومة البريطانية، وهم يجلسونه على كرسي داخل سيارة إسعاف لمدة 40 دقيقة، ويلتقطون الصور له، من دون تقديم أي علاج له! وقد تباكت مذيعة قناة الـ«CNN» أثناء قراءتها التقرير عن الطفل عمران مستذكرة صورة الطفل آلان.
والد الطفل عمران سرد في لقاءات عدة، حقيقة ما جرى، رافضاً محاولات وسائل إعلام مسلحي النصرة الإرهابية، ووسائل إعلامية أجنبية استغلال قصة ابنه.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، تجاهل الإعلام الغربي المتحضر، وعتم على نشر صور أشلاء الأطفال الأربعة الذين كانت تتراوح أعمارهم بين 9 و11 عاماً الذين قتلوا بقصف إسرائيلي في الـ16 من آب 2014 حين كانوا يلعبون كرة القدم على شاطئ غزة، كما تجاهل الصور المؤلمة والمخيفة لمقتل 26 طفلاً وإصابة 19 آخرين بغارة للطيران السعودي على حافلة مدرسية في «سوق ضحيان» شمال اليمن في الـ9 من آب 2018، رغم قساوة وبشاعة تلك الصور، وغيرها.
السياسيون القادة عرباً كانوا أم أجانب الذين دفعوا أهلنا في العراق وسورية إلى ترك أوطانهم قسراً، ومولوا قاتليهم بالمال والسلاح، هم قتلة أيضاً بلا أخلاق ولا ضمير ولا وجدان، كأدواتهم ووسائل إعلامهم التي سوقت الأحداث وشوهتها عمداً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن