قضايا وآراء

استدارة أردوغان وبداية العد العكسي

| بقلم: الدكتور قحطان السيوفي

تركيا مُنهكة والرئيس رجب طيب أردوغان يائس وغير قادر على الاستمرار في الحروب العبثية في شمال العراق وسورية وليبيا وضد مصر وأرمينيا، والتمويل المالي لهذه المشاريع العسكرية المغامرة يتناقص كثيراً وخسائر أردوغان الداخلية تزايدت.
عندما يعلن أردوغان في كلمة أمام مؤتمر حزبه منذ أيام أنه يبحث عن أصدقاء، وضرورة إنهاء الخصومات، فإن ذلك يعني أن الرجل أخذ يشعر بمرارة العزلة والخوف ويرغب وبأسلوبه الانتهازي بإعادة صياغة علاقاته الدولية بدءاً من الولايات المتحدة، حتى روسيا والاتحاد الأوروبي والعالم العربي، بعد خسائره السياسية والاقتصادية، لقد أصبحت قواته ومرتزقته منتشرة لتحارب في معارك عبثية في آسيا وإفريقيا، ويبدو أن كل ما حققه من مكاسب مادية من وراء تجارة النزاعات الإقليمية يتهاوى مع بداية العد العكسي لعهده، وآخر سيناريوهات ألاعيب أردوغان تظاهره بالتخلي عن دعم الإخوان المسلمين، الذين استضافهم ودعم أنشطتهم العدوانية لسنوات.
المراقبون يتساءلون هل تغير أردوغان أم إنها مجرد وقفة مؤقتة ليحاول استعادة توازنه؟
أردوغان خسر معاركه، بخروج «الإخوان» في مصر، ومحاصرة «النهضة» في تونس، وعجزه عن السيطرة على الشمال السوري، وسقوط حليفه نظام البشير في السودان، وتوتر العلاقات مع الاتحاد الأوروبي وضعف علاقته مع الإدارة الأميركية الجديدة، ويكتشف أردوغان أنه يلعب مباريات خاسرة أظهرت بوادر التراجع والعجز.
الأرجح أن أردوغان سيعاود خوض المعارك السياسية واللعب على الحبال، ويشكك العديد من المحللين بتخلي أردوغان عن طموحاته الإقليمية، والتوقف عن الحروب.
انتقد زعيم حزب المستقبل التركي، أحمد داود أوغلو، بشدة أردوغان، واتهمه بالعمل على تعديل الدستور التركي ليزيد أردوغان تسلطه وأصبحت تركيا معزولة وفي صراع مع الجميع.
وأضاف داود أوغلو: عندما غادرت مكتب رئيس الوزراء كان نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 11 ألف دولار، وبلغ إجمالي قيمة الناتج المحلي الإجمالي 876 مليار دولار، واليوم انخفض دخل الفرد إلى 8 آلاف دولار، وبلغ إجمالي الناتج المحلي لتركيا نحو 700 مليار دولار.
لا يخفي أردوغان أطماعه العثمانية التوسعية في العالم العربي، وهذه الأطماع تواجه برفض شديد لأن العرب يحملون في أذهانهم ذكريات مريرة عن الاحتلال العثماني للمنطقة العربية.
السياسة التركية لا تلقى قبولاً لدى العرب الذين اكتشفوا خدعة أردوغان بعد الربيع العربي، ودعمه التنظيمات الإرهابية، وتدخلاته العسكرية العدوانية في سورية وليبيا والعراق.
بالنسبة لموقف أردوغان ضد إسرائيل، لا يعدو كونه تصريحات جوفاء بدليل أنه في عهد أردوغان ازدهر النشاط التجاري مع إسرائيل وبلغ ذروته بنحو 7 مليارات دولار، والتعاون الأمني والاستخباراتي يزداد، بالمقابل هناك رفض لفكرة أن تركيا يمكن أن تقود العالم الإسلامي ويعتبر ذلك وهماً عفا عليه الزمن، على صعيد السياسة الداخلية تشهد تركيا صراعاً داخلياً ساخناً، يسبق بسنتين الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقررة في حزيران 2023.
في خطوة استباقية، دعا أردوغان إلى صياغة دستور جديد، المعارضة شككت في دوافعه الحقيقية كونه يلعب على وتر القضايا المتناقضة، ويجيد المناورات والتكتيك.
عام 2017، عُدِّل دستور 1982 لتنتقل تركيا إلى نظام رئاسي بصلاحيات واسعة؛ أردوغان يريد المزيد من الصلاحيات السلطوية بإصدار دستور جديد وبتضمين مواد في الدستور الجديد تتيح له إعادة انتخابه عام 2023.
يهاجم قادة أحزاب المعارضة أردوغان ويتهمونه بالفساد والإسراف ويحمّلونه المسؤولية بدليل تراجع قاعدته الشعبية وحالة من التململ في الشارع، تنعكس في التظاهرات والاحتجاجات.
في المقابل تطالب المعارضة بانتخابات مبكرة بحجة انسداد الأفق وعجز حكومة أردوغان عن حل مشاكل البلاد، وخاصة الأزمة الاقتصادية التي انعكست في انهيار الليرة التركية وتصاعد معدلات التضخّم والبطالة وتردي الأحوال الاقتصادية للشعب، لدرجة أنهم باتوا يجمعون الطعام من صناديق القمامة.
استطلاعات الرأي الأخيرة، تُظهر أن فرصة أردوغان في الفوز بالرئاسة ضعيفة جداً وأن نصف الناخبين الأتراك يؤيدون إجراء انتخابات مبكرة.
هل ينجح أردوغان في الالتفاف على مبادرات المعارضة ومطالبها، أم إن الأخيرة تقلب عليه الطاولة ليسقط في الفخ مع خيالاته العثمانية؟
بالنسبة للسياسة الخارجية خلال السنوات الماضية، لم تبقَ أزمة في المنطقة لم ينغمس فيها أردوغان عملاً بأطماعه العثمانية العدوانية شرقاً تجاه منطقة القوقاز، وغرباً باتجاه اليونان وبحر إيجه، وصولاً إلى الشواطئ الليبية، أو جنوباً باتجاه سورية ومصر.
في هذا الجو يراجع أردوغان ملفات السياسة الخارجية لتركيا، وفي ظل أزمة اقتصادية تلقي بظلالها على الواقع السياسي.
في هذا السياق جاءت كلمته في مؤتمر حزبه مؤخراً ليعلن أنه يبحث عن أصدقاء، وإنهاء الخصومات، مع بعض الدول التي قادت إلى عزلة تركيا في محيطها وانعكس هذا في استدارة ملحوظة لتخفيف التوتر مع الاتحاد الأوروبي وفي ظل ترقب لنهج إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تجاه أنقرة.
حديث أردوغان عن إصلاحات قانونية اعتبره المراقبون استباقاً لضغوط منتظرة من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن التي أصدرت أول تصريحاتها بشأن تركيا وركزت على قضايا الحريات وحقوق الإنسان.
سياسة تركيا الخارجية تقوم على تحمّل خسائر تكتيكية من أجل تحقيق انتصارات إستراتيجية، هذا هو المبدأ التركي الذي يُفسر محاولة أردوغان للتقارب مع القاهرة؛ وهي مجرد «مراجعات تكتيكية» تهدف لكسر العزلة الخانقة التي يعانيها وتبدو ورقة الإخوان المسلمين أدوات يتفاوض بها أردوغان ويتلاعب بها ويتقارب بها كورقة للابتزاز واللعب بها.
ذكرت إذاعة «فويس أوف أميركا» أن دعم أنقرة لجماعة الإخوان أثناء وبعد موجة الربيع العربي كان جزءاً أساسياً من مشروع لمد الهيمنة التركية عبر الشرق الأوسط، أردوغان بدأ يدرك مدى عقم هذه السياسة، ويبحث عن طريقة لكسر طوق العزلة المضروب حول بلاده نتيجة الرفض الإقليمي والدولي الواسعين لسلوكها العدواني.
العثمانية الجديدة في طريقها للانتهاء مع تراجع شعبية أردوغان في الداخل وعزلته الدولية وانتهاء الدور الذي رسم له، الإدارة الأميركية الجديدة يبدو أنها ستعمل على إنهاء دور أردوغان بأساليبها المعروفة وتحت مسميات مختلفة.
أخيراً هل استدارة أردوغان تكتيك وإعادة تموضع وتأقلم وتكيف مع الظروف المحيطة والضغط الدولي، خصوصاً الأميركي؟ أم هي تغير فعلي في السياسة الخارجية التركية؟ لا أحد يثق بهذه الاستدارة المُضللة لسياسة أردوغان التي يبدو أنها بداية العد العكسي لعهده.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن