شؤون محلية

استغلال بشع

| بقلم: نبيل الملاح

فرضت الأزمة التي مرت بها البلاد على الكثير من سكان بعض المناطق والأرياف ترك منازلهم والانتقال إلى المدينة واستئجار بيوت بأسعار عالية، لكنها كانت مقبولة إلى حدٍّ ما في البداية، لكن استمرار الأزمة وطول أمدها وارتفاع معدل التضخم أدى إلى ارتفاع الإيجارات بشكل كبير يفوق طاقة المستأجرين الذين هم بمعظمهم من ذوي الدخل المحدود؛ فإيجار بيت صغير في منطقة شعبية تجاوز ثلاثمئة ألف ليرة في الوقت الذي بقي دخل المستأجر لا يتجاوز مئة ألف ليرة، ولنقل مئتا ألف ليرة.
ويتم ذلك وفقاً للقانون الذي أعطى المالك حق التأجير لمدة محدودة يمكنه بعدها إخلاء المستأجر عن طريق دوائر التنفيذ مباشرة، وأنا لا أعترض على هذا القانون؛ لكني أعترض على ما يقوم به الملاك برفع الإيجارات بشكل كبير وفقاً لأسعار صرف الدولار التي باتت المرجعية الأساسية في تحديد أسعار المواد والسلع والبضائع بمختلف أنواعها وتصنيفها.
وهنا تأتي مسؤولية الحكومة ومجلس الشعب في وضع الضوابط اللازمة للجم الارتفاع الجنوني لأسعار المنتجات الزراعية والحيوانية التي لا ترتبط تكاليف إنتاجها بالدولار، وكذلك الإيجارات التي لا يجوز بحال من الأحوال ربطها بأسعار صرف الدولار.
على السلطتين التشريعية والتنفيذية تعديل القانون بما يؤدي إلى عدم ترك تحديد الإيجارات للمالك بشكل مطلق، ووضع نسب معقولة لزيادة الإيجارات بما يتناسب مع قدرة المستأجرين.
أطالب بذلك وأنا مدرك أن بعض المالكين يعتاشون من الإيجار الذي يحصلون عليه، وأعتقد أن معظم هؤلاء يرفعون الإيجار بنسبة ليست كبيرة، لكنها تبقى فوق حدود إمكانية المستأجرين.
لكن أغلبية المؤجرين هم من المستثمرين المستغلين الذين يتعاملون مع المستأجرين وفق حساباتهم التجارية المستندة إلى أسعار صرف الدولار.
لابد من تكريس وتفعيل مفهوم التكافل الاجتماعي ليكون الناس عوناً لبعضهم بعضاً ويتساعدون في تقاسم آثار الأزمة وتداعياتها، وأن يأخذ كل منا بعين الاعتبار إمكانية الآخرين وعلى الأخص المستأجرين الذين يمكنهم الاستغناء عن كثير من الاحتياجات الغذائية والصحية؛ لكن لا يمكنهم التخلي عن منازل تؤويهم.
إن الأزمة بتداعياتها تحتاج إلى رجال دولة يبتكرون الحلول الناجعة التي تُعالج الواقع بحكمة وعدالة وتمنع الاستغلال بكل أشكاله.

باحث ووزير سابق

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن