قضايا وآراء

لبنان الجريح

| عبد المنعم علي عيسى

لم يكن الانفجار الذي أصاب مرفأ بيروت في الثاني من آب الماضي، أياً تكن الأسباب التي قادت إليه سواء أكانت ناجمة عن الإهمال أم أنه حدث بفعل فاعل الأمر الذي لم تحسم نتيجته حتى الآن برغم مرور ثمانية أشهر، لم يكن إلا تعبيراً عن واقع مأزوم يشير إلى حالة من عدم الانسجام بين مؤسسات السلطة التي أخذ عزف النشاز يظهر بوضوح على أدائها الذي بدأ يخرج إلى العلن قبيل وقت ليس بقصير.
بشكل ما قاد هذا الحدث الأخير، وبمعنى أدق شكّل شرارة لحطب كان قد تراكم بشكل كبير في الكرم اللبناني، مقدمة لاحتجاجات تشرين أول من العام الماضي، التي أبرزت أزمة من طابقين داخلي له العديد من مبرراته، وخارجي مضى سريعاً نحو الاستثمار فيها شأن ما يحدث في أي أزمة يمكن أن تنشأ في أي بلد من البلدان، فكيف والأمر يحدث في بلد يعتبر نقطة تماس مباشرة بين محيط شرقي وبين غربي ما انفك يحاول الحفاظ على نفوذه داخل ذلك الكيان عبر تمددات ضاربة لجذورها في العمق منذ أن أعلن عن ولادة دولة لبنان الكبير في العام 1920.
جاءت الحلول التي أدت إلى خبو وهج تلك الاحتجاجات تسكينية، بمعنى أنها لم تذهب إلى الاقتراب من جذر المشكلة، كان ذلك فعلاً يعادل وصف «حبة إسبرين» توصف عادة لتسكين صداع في الرأس، في حين أن التشخيص السريري البسيط كان يشير إلى انسداد شريان، أو أكثر، في القلب، مما لا تفي الوصفة بعلاجه، وكما جرت العادة كانت توافقات السطح السياسي قد جاءت على مبدأ حفظ مصالحها التي بدا أن امتداد لهيب النار سوف يزيد من المخاطر التي تتهددها، والكل كان مدركاً أن فعل «التسكين» لن يستمر إلا لوقت يطول أو يقصر تبعاً لتسارع الأحداث، لكن الرهان، كما يبدو، كان في أن يحول الإعصار مساره بعيداً عن الكيان الصغير الذي ما انفك الغرب، وخصوصاً الفرنسي منه، يعبر عن أنه لن يبقى صامتاً وهو يرى «لبنان ينهار».
كانت دعوة البطريرك الماروني مار بشارة الراعي منتصف شهر شباط الماضي لتدويل الأزمة اللبنانية قد ساهمت في زيادة الانقسام اللبناني المنقسم أصلاً حول الكثير من الملفات، بل حتى حول الهوية والدور الذي يجب أن يلعبه الكيان في محيطه، لكنها بالتأكيد كانت تؤسس، تحت ذريعة عجز اللبنانيين عن تشكيل حكومتهم، لوضع لبنان تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الأمر الذي، فيما لو حدث، فإنه سيضع لبنان برمته تحت وصاية دولية مباشرة من الصعب معرفة كيفية الخروج منها، وإلى متى ستدوم.
كان اجتماع الرئيس ميشال عون مع الرئيس المكلف سعد الحريري يوم الخميس 19 آذار أشبه بجس نبض أخير لإمكانية حدوث تسوية للاستعصاءات التي تحول دون الوصول إلى توافق حول تشكيل الحكومة، وفي ذلك الاجتماع حرص الطرفان على عدم إطلاق التصريحات التي من شأنها صب الزيت على النار على أمل أن تكون الأيام الأربعة التي سبقت اجتماعهما الثاني يوم الإثنين 22 آذار كافية لمراجعة الحسابات، لكن ما جرى بعد هذا الاجتماع الأخير كان قد أوحى بأن المفاوضات لا تزال عند نقطة الصفر، فالسجال الذي دار في أعقاب الخروج من الاجتماع يوحي بانعدام الثقة، فالحريري قال «إن التشكيلة التي قدمها رئيس الجمهورية تبدي تمسكه بالثلث المعطل»، بعدها جاء رد الرئاسة بأن «الثلث المعطل لم يرد على لسان الرئيس يوماً»، ولم يقف السجال عند هذا الحد بل ذهب الحريري إلى القول إن «رئيس الجمهورية لا يشكل بل يصدر مراسم التشكيل»، فردت الرئاسة من جديد بالقول إن هذا «مخالف للميثاق والدستور».
ما يهدف إليه الحريري، إضافة إلى داعميه في القوات اللبنانية وحزب الكتائب، وبدرجة ما الحزب التقدمي الاشتراكي الذي حرص على ترك مسافة ما بين الطرفين، هو القول بأن الأزمة التي تمر بها البلاد هي أزمة حكم وليست أزمة حكومة، وذلك فعل يزيد على محاولة اللعب بالنار، انطلاقاً من أنه قد يدفع إلى تبني جهات لبنانية لفكرة انتهاء صلاحية «اتفاق الطائف» للعام 1989 الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية التي دامت خمس عشرة سنة سبقت هذا التاريخ الأخير، وتلك حالة لن تدفع إلا إلى مزيد من الفوضى لاعتبارات تتعلق بظروف إقليمية ودولية لا تبدو ناضجة بالتأكيد للقيام بذلك الفعل، بل إنها قد تفضي، إذا ما تواترت الأحداث بطريقة غير محسوبة إلى التشكيك بميثاق العام 1943 الذي أسس لقيام لبنان الذي نعرفه اليوم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن