قضايا وآراء

نزاعات المياه الجيوسياسية والأمن المائي العربي

| د. قحطان السيوفي

تعتبر المياه من أكثر الاحتياجات الأساسية للإنسان، وقد يؤدي ندرتها إلى عواقب اجتماعية واقتصادية وسياسية وخيمة، فضلاً عن تداعيات أمنية خطرة.
ابتلي العالم العربي بالاستعمار القديم والحديث؛ من الاستعمار العثماني إلى الاستعمار الغربي الأوروبي والأميركي. والأخطار التي خلقها وشجعها لتهدد الأمن القومي العربي ؛ ومنها خطر الأمن المائي العربي.
تُصنَف الأقطار العربية ضمن الدول التي تعاني ندرة المياه المطلقة، عندما تنخفض فيها إمداداتها المائية السنوية من المصادر الطبيعية إلى أقل من 500 متر مكعب للشخص الواحد لتلبية الاحتياجات المنزلية والزراعية والصناعية، وتتفاقم المعاناة بفعل الانفجار السكاني، وتدهور النظم البيئية الطبيعية ما يلقي بظلاله القاتمة على مستقبل المنطقة. الباحث العراقي بشؤون مياه العالم العربي صاحب الربيعي يشير إلى الفرق بين مفهومي «الفقر المائي» و«العجز المائي»، فالأردن فقير مائياً، لكن العراق غني بالموارد المائية إلا أنه عاجز مائياً». ويستشهد بـخروج أكثر من مليون دونم في العراق عن الاستخدام بسبب سوء الإدارة المائية، وشح في مياه الشرب في بعض مناطق جنوب العراق، إلى جانب سوء الإدارة المائية هناك أسباب أخرى لشح المياه في المنطقة العربية: 67 بالمئة من مياه الأنهار تنبع من خارج العالم العربي، وتقع المنطقة العربية في المناطق الجافة من العالم، إضافة إلى التغيرات المناخية والتزايد السكاني، وتسييس قضية المياه.
تواجه المنطقة العربية خطر نشوب نزاعات على المياه مع اشتداد أزمة الجفاف وهذا ما يجعل موارد المياه العابرة للحدود الوطنية مصدراً نشطاً للمنافسة والصراع، وخاصة بناء السدود على منابع الأنهار الدولية… وهو ما يُشكل محور صراعات جيو إستراتيجية بخلفية عدوانية من دول المنبع.
يخيم شبح أزمة سياسية حادة بين مصر وإثيوبيا على خلفية بناء سد النهضة على نهر النيل إضافة إلى توتر العلاقات التركية مع كل من سورية والعراق، بخلفية عدوانية لبناء سدود على نهري دجلة والفرات. وتشكل قضية المياه أحد أوجه الصراع الفلسطيني والعربي مع إسرائيل كتحويل إسرائيل مجرى نهر الأردن عام 1964 والخلاف حول نهري اليرموك والليطاني.
ويبدو أن جائحة فايروس كورونا المستجد المستمرة سلطت الضوء بكثافة ووضوح على قضية ندرة المياه في المنطقة.
أصدرت الأمم المتحدة مؤخراً تقريراً بعنوان «متحدون في العلوم»، وهو مشروع مشترك بين 7 هيئات ومنظمات دولية تعنى بالمناخ أظهرت أن نحو 87 مليون شخص في المنطقة العربية يفتقرون إلى مياه الشرب في أماكن إقامتهم كما يؤكد البنك الدولي أن نحو 82 بالمئة من المياه في المنطقة العربية لا يُستفاد منها بالشكل الفعال، مع زيادة الطلب على المياه وضعف العرض.
كما ستشهد المنطقة أكبر خسائر اقتصادية متوقعة من ندرة المياه المرتبطة بالمناخ، والتي تقدر بـحوالي 6–14 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي بحلول 2050.
وكما أشرنا إلى أن مشكلة الأنهار العابرة للحدود تعاني منها دول عربية، في مقدمها العراق ومعه سورية ستعانيان من شح مياه نهر الفرات بسبب السدود التركية منذ السبعينيات من القرن الماضي. إضافة إلى تكرار المشكلة مع نهر دجلة الذي ينبع من جبال طوروس جنوب شرقي الأناضول في تركيا، أقامت تركيا مشروعاً شرقي الأناضول، والذي تضمن بناء 22 سداً.
وفي السياق نفسه بلغ معدل الإجهاد المائي في العراق من 5 إلى 3.7 وفق مؤشر الإجهاد المائي، لتصبح واحدة من البلدان المُصنفة بأن لديها «خطورة عالية» فيما يتعلق بندرة المياه، حيث يتوقع أنه بحلول عام 2040، قد يجف نهرا دجلة والفرات تماماً، وبالتالي ستعاني العراق ومعها سورية من الجفاف والعطش ناهيك عن الاحتلال التركي في شمال سورية وسرقة ثرواتها بعد عشر سنوات من انطلاق مشروع «سد النهضة» الإثيوبي على النيل الأزرق، وإنجاز نحو 80 في المئة، كررت إثيوبيا رفضها للتحذيرات المصرية والسودانية وتمسكها بملء السد. واتخذت أديس أبابا خطوة أحادية هدفها السيطرة على مياه النيل، في عام 1959 فتم في القاهرة توقيع اتفاقية بين مصر والسودان، جاءت مكملة لاتفاقية 1929، حيث تشمل الضبط الكامل لمياه النيل الواصلة لكل من مصر والسودان، في ظل رغبة مصر في إنشاء السد العالي بعد أن استعان الرئيس جمال عبد الناصر بالاتحاد السوفييتي في تنفيذ المشروع في عام 1964.
أثار مشروع سد النهضة غضب مصر واحتجاجها لعدم استشارتها في التفاصيل العامة، ولأنه يؤثر في حصتها المائية، وجرت سلسلة اجتماعات على مدى سنوات حتى الآن فشلت في التوصل إلى الاتفاقية بسبب إصرار إثيوبيا على سيادتها على مياه النيل.
أزمة سد النهضة تتفاقم وتخشى مصر والسودان أن يؤدي السد إلى تقليص حصتي البلدين من المياه التي تعتبر شريان الحياة فيهما بالنظر إلى حجم التحديات المشتركة التي تواجه عدداً من بلدان المنطقة العربية، فإن العمل الجماعي والشراكات أمران ضروريان، للمساهمة في الاستقرار المحلي والإقليمي وقيام روابط تعاون بين الدول التي تمر بها أنهار عابرة للحدود لحِل المشاكل بين الدول المتشاطئة كاقتسام المياه وإقامة السدود ومعالجة التلوث والملاحة والفيضانات الموسمية ومحطات الكهرباء أو الطاقة النووية وحتى الجسور والأنفاق إضافة إلى ضرورة الإدارة المائية الحكيمة واستخدام الاستمطار والتقنيات الحديثة في الري والإنتاج الزراعي.
وباعتبار المنطقة العربية موطناً لـ6 بالمئة من سكان العالم، ولا تحتوي سوى 1 بالمئة فقط من موارد المياه العذبة في العالم، لذلك فإنها بحاجةٍ إلى اتخاذ إجراءات حاسمةٍ لتضييق الفجوة بين إمدادات المياه والطلب عليها، فالعالم العربي أصبح حبيساً داخل حلقة مفرغة؛ إذ تؤدي الضغوط البيئية والديموغرافية والاقتصادية إلى تفاقم ندرة المياه، وعلاقة ذلك بعدم الاستقرار الغذائي والصناعي والمعيشي والهجرة، وأيضاً الصراعات والنزاعات، لذلك فإن إدارة المياه بطريقة أكثر كفاءة يمكنها أن تحد من الهجرة، وستبقى السدود التي تبنى على منابع نهري دجلة والفرات ( في تركيا) وعلى
منابع نهر النيل (في إثيوبيا) خطراً وعدواناً حقيقياً إضافياً يهدد الأمن المائي العربي، يضاف إلى الأخطار الكبرى التي تهدد الأمن القومي العربي اليوم.
ترى هل تستطيع حكومات الدول العربية، في هذا الزمن العربي الرديء، وضع إستراتيجية لمواجهة أزمة الأمن المائي العربي في ظل النزعة العدوانية لدى دول المنبع؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن