ثقافة وفن

خالد تاجا.. بصمة الإبداع الباقية بعد الرحيل … أحد أفضل خمسين ممثلاً في العالم ولقّبه محمود درويش بـ«أنطوني كوين العرب»

| وائل العدس

قبل تسع سنوات، عُلقت الآمال في أن يخرج الفنان الكبير خالد تاجا من المستشفى سليماً معافى بعد أن رقد في العناية المركزة لأسبوعين، لكن وبعد أن سرت شائعات حول صحته.. جاء الخبر اليقين والمحزن بأن قلبه قد توقف وأوقف معه مسيرة وعطاءات وطموحات عملاق الشاشة السورية.
وقد عانى من سرطان في الرئة وفقد الأوكسجين خلال أيامه الأخيرة، ما استدعى خضوعه لعملية تنفس اصطناعي قبل أن يوافيه القدر.

حضّر الفنان الراحل خالد تاجا قبره بنفسه وكتب عليه «مسيرتي حلم من الجنون، كومضة شهاب زرع النور بقلب من رآها، لحظة ثم مضت»، كما حمل جملة «منزل الفنان محمد خالد بن عمر تاجا من مواليد عام 1939».
واختير تاجا أحد أفضل خمسين ممثلاً في العالم عام 2004 بحسب مجلة التايم الأميركية و(أنطوني كوين العرب) حسب ما لقبه الشاعر الراحل محمود درويش، لكنه ظل يفضل لقب (تاجا الشامي) وأن يدعوه الناس به.
ولد في دمشق في السادس من تشرين الثاني عام 1939 في دمشق وتوفي فيها في الرابع من نيسان عام 2012 بعد صراع مع سرطان الرئة، وكان وقتها يصور مشاهده في مسلسل «الأميمي»، غير أن عزاء محبيه يكمن في المئات من الأعمال الفنية المترعة بالإبداع، التي جسدها في شبابه وفي أواخر سنوات عطائه، بتلك الملامح المعجونة بالزمن والفن أيضاً.

سن مبكرة

في سن الثامنة من عمره، اكتشف أنه مولع بالرسم، وأُغرم بخيال الظل. وفي العاشرة، بدأ يتردد على مسارح دمشق السبعة كـ «النصر» و«الرشيد» و«الأندلس».

أدى بطولة عملين مسرحيين من تأليف وإخراج أحد أساتذته في المرحلة الثانوية في خمسينيات القرن الماضي. ثم انتقل عام 1956 إلى فرقة «المسرح الحر» مع توفيق العطري وضمت نخبة من الفنانين الكبار أمثال صبري عياد، وحكمت محسن، وأنور البابا وكان يرأسها الفنان الراحل عبد اللطيف فتحي. وقدم حينها عدداً من أدواره على الخشبة لينتقل بعدها إلى الكتابة والإخراج المسرحيين.

ومن أعماله في هذا المجال «بالناقص زلمة»، و«خدام الأكابر» التي شارك في بطولتها أيضاً. كما ألف مسرحية «المجنون» التي لم تبصر النور بسبب الظرف المادي السيئ الذي عانى منه بعد وفاة والده.
وفي عام 1965، اختاره المخرج اليوغسلافي بوشكو فوتونوفيتش لبطولة فيلم «سائق الشاحنة» الذي أنتجته «المؤسسة العامة للسينما» في دمشق عام 1966 ليليها العديد من الأفلام مثل «أيام في لندن»، و«الفهد»، و«خيرو العوج» و«العار».

بعدها، ابتعد تاجا عن العمل الفني 12 عاماً بعدما اكتشف أن السرطان أصاب إحدى رئتيه بسبب ولعه بالتدخين، ما أدى إلى استئصال الرئة. لكن بعد عودته، لم يعد أحد يدعوه للمشاركة في أي عملٍ. لكن في أواخر السبعينيات، وقف معه الفنان طلحت حمدي ليعود مجدداً إلى العمل.
شارك خلال مسيرته الفنية في أكثر من 130 مسلسلاً، أبرزها «هجرة القلوب إلى القلوب» 1991، «أيام شامية» و«جريمة في الذاكرة» 1992، و«يوميات مدير عام» 1995، «أخوة التراب» 1996، «النصية» و«الثريا» 1998، «الفصول الأربعة» بكامل أجزائه ابتداءً من 1999، «الملك لله» و«الزير سالم» و«أسرار المدينة» 2000، «تمر حنة» 2001، «ردم الأساطير» 2002، «بنات أكريكوز» 2003، «التغريبة الفلسطينية» و«رجال تحت الطربوش» 2004، «حاجز الصمت» 2005، «كسر الخواطر» و«غزلان في غابة الذئاب» 2006، «على طول الأيام» و«وشاء الهوى» 2006، و«صمة عار» و«الحصرم الشامي» 2007، «أولاد القيمرية» 2008، «زمن العار» و«قاعة المدينة» و«طريق النحل» 2009، «لعنة الطين» و«الدبور» و«أبو جانتي» 2010، و«الخبز الحرام» و«العشق الحرام» 2011.

ومن أفلامه «رجال تحت الشمس» 1970، «عودة حميدو» 1971، «الفهد» و«زواج بالإكراه» 1972، «عروس من دمشق» و«بنات آخر زمن» 1973، «غراميات خاصة» 1974، «أيام في لندن» 1976، «شيء ما يحترق» 1993، «نصف ملغ نيكوتين» 2007، «دمشق مع حبي» 2010.

قصة حياته

لم تكن حياته بعيدة عن الأدوار التي جسدها في العديد من المسلسلات، امتزج فيها الفرح والحزن حتى في أيامه الأخيرة.

كان تاجا قد باشر كتابة مذكراته متناولاً سيرته منذ ولادته في دمشق عام 1939 وصولاً إلى أهم الخطوات في مسيرته الفنية والشخصية كقصص الحب التي عاشها لأنها محطة مهمة في حياته كما كان يقول قبل الرحيل. علماً أنه كان يفكر في ترجمة حياته إلى مسلسل تلفزيوني يضيء جوانب مؤلمة عاشها بموازاة نجاحه وشهرته عربياً وحتى عالمياً.

جوائز عديدة

نال الفنان الراحل العديد من الجوائز منها تكريمه في مهرجان بودابست بلجيكا عام 2010، والميدالية الذهبية في مهرجان دمشق السينمائي التاسع، والجائزة الذهبية لأفضل ممثل في مهرجان القاهرة الحادي عشر، ودرع تكريمي عن دوره في مسلسل «التغريبة الفلسطينية» في أبو ظبي عام 2005، جائزة لجنة التحكيم للدراما السورية أدونيا 2005 ودروع مختلفة من جهات عدة: نقابة الفنانين السوريين، وزارة الإعلام، وزارة الثقافة.

حياته الشخصية

وفي ما يخص حياته الشخصية، تقول شقيقته: «كان محباً يتعلق بكل فتاة تحبه، والدليل أنه تزوج أربع مرات بعد قصص حب». وتضيف: «كان يعشق زوجته الأولى كثيراً ولطالما تحدث عن جمالها في أحاديث الذكريات». لكنها توفيت باكراً في حادث سيارة. أما الزوجة الثانية فلم يستطع أن يكمل معها العام وانتهت بالانفصال كحال زوجته الثالثة.

أيضاً، تزوج من سيدة هولندية لكنها قررت العودة إلى بلادها لتتصل به لاحقاً وتخبره بأنها حامل بفتاة. وعند ولادتها اتصلت به مجدداً لتخبره بأنها وضعت فتاة وأطلقت عليها اسم «ليزا». ومنذ ذلك اليوم، لا يعلم عن ابنته سوى اسمها الذي كان يردده دوماً، حتى أنه كان يمازح شقيقته ويقول لها: «تخيلي أن أذهب إلى هولندا وأرى فتاة وأعجب بها وأحبها. وعندما أقرر الزواج منها أكتشف أنها ابنتي».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن