قضايا وآراء

مباحثات عراقية – أميركية على نار ساخنة

| أحمد ضيف الله

في الـ27 من آذار 2021، قال السفير الأميركي لدى العراق ماثيو تولر، خلال الندوة الفصلية التي نظمها معهد الولايات المتحدة للسلام في واشنطن: إن «الأهداف الإستراتيجية الأميركية ثابتة رغم تغير الإدارات المتعاقبة في البيت الأبيض»، وإن «وجود القوات الأميركية في العراق يأتي بناء على دعوة من الحكومة العراقية، للقيام بمهمة محدودة تركز على تقديم المشورة والمساعدة لقوات مكافحة الإرهاب العراقية، بما في ذلك البيشمركة، لمنع تنظيم داعش»، مشيراً أن لدى إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أربع أولويات في بلاد الرافدين، وهي «في المستقبل المنظور تشمل محاربة تنظيم داعش، ومساعدة الحكومة العراقية في محاربة الفساد، ومواجهة الأوضاع الاقتصادية الصعبة، إلى جانب مسألتي تحديات فيروس كورونا وأزمة التغير المناخي»!
وعلى الرغم من إعلان العديد من الفصائل العراقية المُقاومة هدنة في الـ10 من تشرين الأول 2020، بعدم استهداف المصالح الأميركية في العراق، بما في ذلك سفارتها ببغداد، بعد تدخل شخصيات سياسية وطنيّةِ عراقية، إلا أن عمليات استهداف أرتال الدعم اللوجيستي للتحالف الدولي في العراق بقيادة واشنطن، بعبوات ناسفة ظلت مستمرة، وتكاد تكون عملاً روتينياً يومياً، بل إن عدد عمليات الاستهداف وصل في معظم أيام الشهر إلى عمليتين في اليوم. وعلى سبيل المثال لا الحصر، في الـ30 من آذار 2021، جرى استهداف (3) أرتال دعم لوجستي في ثلاث محافظات بابل وذي قار وصلاح الدين، ليصل عدد الهجمات التي تعرضت لها أرتال الدعم هذه إلى (5) هجمات خلال يومين.
وعلى وقع استمرار وتصاعد حدّة الهجمات التي تستهدف أرتال التحالف الدولي في العراق، أعلن قسم شؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأميركية في تغريدة له في الـ30 من آذار الماضي، أن «الولايات المتحدة ستعقد مع جمهورية العراق محادثات الحوار الإستراتيجي عبر دائرة فيديو مغلقة في 7 نيسان وفق اتفاقية الإطار الإستراتيجي لسنة 2008 بين البلدين».
بغداد وواشنطن أجرتا قبلاً جولتين من الحوار الإستراتيجي خلال العام الماضي (2020)، الأولى كانت في الـ11 من حزيران عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، والثانية في الـ19 من آب خلال زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى واشنطن.
ومع تيقن الولايات المتحدة الأميركية أن وجودها في العراق غير مُرحب به، تعاود استئناف المفاوضات مع العراق في الـ7 من نيسان الجاري في ظل ظروف ومتغيرات جديدة مُلفتة، من أبرزها قرار حلف الناتو بزيادة عدد قواته في العراق من 500 إلى 4000 عنصر، إلى جانب انتشار نحو 3000 جندي من قوات التحالف الدولي، بينهم 2500 جندي أميركي، إضافة إلى ما أدخله السفير الأميركي في بغداد في تصريحه الأخير، من اهتمامات جديدة أخرى للحفاظ على الوجود الأميركي في العراق، مستحدثاً مبررات غريبة، كمحاربة الفساد في مؤسسات الدولة العراقية، وكورونا، وملف مواجهة التغير المناخي والبيئة! وهو تغير نوعي في الخطاب الأميركي، متجاوزاً بذلك حجج الشراكة الأمنية مع العراق في محاربة الإرهاب.
العراق لديه قرار نيابي بخروج جميع القوات الأجنبية بما فيها القوات الأميركية من العراق، سبق أن اتخذ في الـخامس من كانون الثاني 2020، فهو يرى أنه أصبح لديه قوات أمنية قوية، وبإمكانه الاعتماد عليها في الدفاع عن نفسه من دون الحاجة إلى قوات إضافية، مؤكداً أن وجود القوات الأجنبية على أراضيه يمس السيادة الوطنية، ويؤزم الأوضاع في العراق والمنطقة، ويبرر التدخل بالشأن العراقي.
ووسط المطالبات والدعوات المستمرة، الشعبية والنيابية ومن قوى المقاومة، بإخراج القوات الأميركية والأجنبية من العراق، وفقاً لقرار المجلس النيابي، فإنه من المستحيل أن تنجح الإدارة الأميركية الجديدة في تثبيت وجودها العسكري في العراق، بلباس الناتو أو غيره.
لقد سبق أن طالت الهجمات الصاروخية القواعد والمصالح الأميركية في بغداد وكل المُدن العراقية، ولاحقت الوجود الأميركي حتى في إقليم كردستان مرات عدة، إضافة إلى استمرار استهدافها لأرتال الدعم اللوجستي للتحالف يومياً وفي كل مكان، وهي ستزداد كماً ونوعاً إذا لم توافق الولايات المتحدة على إغلاق قواعدها ومغادرة العراق.
الشعب العراقي وقواه المقاومة لا يمكن أن يقبلا بالوجود الأجنبي على أراضيه، كما أنهما لا يمكن أن يبقيا صامتين بأن تتحول أراضيه إلى قواعد خلفية لترهيب الشعب السوري وتجويعه، من خلال نهب وسرقة نفطه وطحينه وبيعه في إقليم كردستان، لتمويل الإرهاب في سورية.
إن إخراج القوات الأميركية من العراق سيوقف نهب واستنزاف المقدرات الاقتصادية للعراق ودول المنطقة، مما سينعكس إيجاباً على استقرار أمن المنطقة والعراق، ومن المستحيل أن تأخذ الولايات المتحدة الأميركية بالحوار الإستراتيجي من العراق، ما فشلت عن أخذه بالحرب والاحتلال.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن