ثقافة وفن

ناقل الكفر كافر

| د. نبيل طعمة

لفت سمعي حوار جريء بين إعلاميين؛ سيدة وسيد، نقله صديق مشترك ضمن أزمتنا السورية، حيث كان ينقل الإعلامي ما يجري في المجتمع، ويتداوله الناس في البلد من خلل اقتصادي واجتماعي وفساد، وختم حديثه بالقول: ناقل الكفر ليس بكافر، لترد عليه الإعلامية المخضرمة بأن ناقل الكفر كافر.
استوقفتني مقولتها المعدلة، تفكرت بها، واستعرضت كيف بنا نمر بأزمات هائلة؛ احتلالات وإرهاب واعتداءات وضغوط اقتصادية وإعلامية بأشكالها المختلفة من المحيط، ومن بعض مروجي الأمثال والأقوال والأخبار مستمدين من الاعتماد على النقل «القلقلة والعنعنة» لا على العقل المتأمل المتفكر المحلل، هذه كلها أوجدت مشكلات كبرى بين الأداء والولاء، بين الكفر والإيمان، بين الانتماء للوطن أو للخارج، لكن أخطرها كمن في الفساد الأخلاقي، فأخذت قلمي وبدأت أخط كلماتي بعد أن أيدت مقولتها، واستثنيت من هذا العنوان «ليس»، لأن شيوعه وتداوله بين الناس يضرب أصالة الأمة، ويهزّ بقاءها، وحاله حال الكثير من الأقوال والأمثال الهدامة، التي تنتشر على ألسنة الناس، يستشهدون بها على مدار أحاديثهم، وإذا هدمت مرتكزات أمة وشعب أو مجتمع وتخلخلت حقائقهم ظهرت عوامل الضعف، وازداد الوهن، لأن اعتمادها يكون على أسس مهلهلة ضعيفة البنى ركيكة التركيب مخلخلة الكيان متباينة النسج، ما يؤدي لإضعاف تناسقها وفرط عقد بقائها.
العنوان ليس قاعدة فقهية، إنما أوجده بعض أهل التفسير الإسلامي ومنهم الحافظ بن كثير في موسوعة البداية والنهاية، ناقل الكفر كافر، عندما ينقل الكفر بكل أبعاده الخطيئة والنميمة والفساد وتشويه الحقائق ولا يعمل على بيان محتواها أو تفنيد وجودها أو أفكارها وبيان بطلانها فهو ناقل مقر أو موافق على ما نقل، وبالتالي فهو كافر كالقائل.
الإلحاد والكفر كلمتان دينيتان اختصتا الخارجين من دين معين، الداخلين في دين آخر، أو الرافضين لكل ما جاء فيه أو الكفر بالإله، هاتان ليستا كلمات علمية، لأن العلم يقبل أو يرفض بعد التحليل والإثبات، ويستند إلى الصح والخطأ، بينما الأديان نراها تعتمد الحلال والحرام، وحينما نقول: إنَّ ناقل الكفر – وكما بينت ضمن ما أسير به- كافرٌ، هو صحيح إن أدى إلى الإساءة، وتسبّب بحلول الفتن وانتشار الضغائن والفراق والقتل، ربما يتحدث الكثيرون أن الكفر وارد في الكتب المقدسة، وهناك من يعتبر أنها ناقلة، وأنا أؤكد ذلك، إلا أنها شرحت ووضحت مخاطره، وأشارت إلى مساوئه، ودعت إلى عدم الاعتراف به، وهاجمته بقوة، وكم ساد مفهوم العبارة في سوء فهم وتأويل، حتى اعتبرها الكثرة مقدسة، والذي نشهده في زمننا الحاضر تداولات بين الناس على وسائط التواصل الاجتماعي من بث للضغائن وتعزيز للأنا لفرط عقد العلاقات، وهدم للأخلاق وللمجتمعات، وتمييع للحقائق، وخلط الجد بالهزل، وتضاربات بين شعوب الدول، كل هذا ما هو إلا الكفر بعينه، الذي تهيَّأ له الناقلون، آخذين على عاتقهم نشره وتأييده.
طبيعي ومن دون أدنى شك أن ندعو إلى فهم ما نتداوله من مصطلحات وأقوال وأمثال، لأن كثيرها بعد تفكيكه نجده حاملاً للسم المؤخر لبناء المجتمعات والأمم، وسواد مجتمعنا مازال يستقي مصادره، إما من موروثه التاريخي، وإما متجهين نحو العالم الخارجي، معتقدين أن منه يأتي خلاصهم، لذلك يتناقلون الأشياء من دون تمعُّن، وإن كان منهم من يفعل يكن خجولاً، ولا يشرح بصورة دقيقة أو كافية، ويظهر ما يتداوله الناس كما يغرد العصفور جميلاً، من دون أن يعرفوا طبقات تغريده، أو ما يهدف إليه، مكتفين بأن يحقق لهم المتعة بلا أي تحليل.
المفترض أن الإنسان في يومنا هذا ألا يكون عادياً إذا تفكر قليلاً بوقاره وبكرامته، وبما يتبقى من مصيره الذي يدعو للتفكر، فإذا حدث وتفكر فعليه إكرام هذا المصير كما يكرم الإله أو المعتقد، أو ما يؤمن به بأفضل ما لديه، وأهم تكريم يكون للوطن وللإنسان، هي مقولة لا أكثر ولا أقل، أدعها برسمكم، فتفكروا يا أولي الألباب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن