ثقافة وفن

منصّات التواصل الاجتماعي بمنزلة معرض فنّي عالمي للرسام … نور حليمة لـ «الوطن»: نعيش في مجتمع يتعامل مع اللوحات على أنها سلعة تجارية

| سوسن صيداوي

هل الأكاديمية هي أساس الانطلاق بالنجاح؟ ماذا عن الشغف والطموح؟ ماذا عن الموهبة؟ وكيف يمكن للمرء أن يتقدم بأحلامه وينجح حتى لو لم يكن أكاديمياً؟ أسئلة تعود إجابتها للفنانة التشكيلية نور حليمة التي تابعت دراستها في كلية الآداب بحلب، في اللغة الإنكليزية قسم الترجمة، مكتفية بالريشة وأقلام التلوين كهواية، وفقاً لمشورة ودعم الأهل ونظرتهم في أمور الحياة، وبرأيها الموهبة هي الأساس، وعلى المرء أن يمارس ما يحب ويؤمن به، وتضيف بأنه في الوقت الحالي أصبح صقل الموهبة بالمجهود الخاص أمراً تتيحه وسائل التعلّم الجديدة والتي وفرتها الشبكة العنكبوتية.
«نور» تحب رسم البورتريه كثيراً، ولكنها لا ترسم أيّا كان بحسب قولها، لأنها يجب أن تغوص في العمق وبمكونات من تقوم برسمه في لوحتها، وحقاً اتجهت نحو رسم المشاهير من ممثلين ومغنين كونها تربّت على أعمالهم، والسوشيال ميديا مكّنها من الوصول إلى أكبر شريحة ممكنة لترى أعمالها ويتم تقييّمها من أصحاب الاختصاص أو تذوقها من الجمهور.

«الوطـن» التقت الفنانة التشكيلية وتوقفنا في الحديث عند بعض النقاط، وإليكم الحوار:

بداية دور الأهل في تعزيز ثقة أطفالهم بأنفسهم مع تنمية مواهبهم، برأيك هل هو أمر فيه ترف، بمعنى هل يحتاج إلى الوفر المادي ليكون محققاً؟

بالطبع للأهل دور كبير كونهم بطبيعة الحال هم أول الأشخاص الذين يدركون ما يمتلك أولادهم من مواهب وبالنسبة لأهلي هم أول من أشاركهم برسوماتي فهم الداعم الأول، بأن أتمرن بجدية وأرسم وأنمي موهبتي هذه، رغم أنني كنت طالبة وكان من الممكن أن يؤثر وقت الرسم على وقت الدراسة، لكنهم كانوا متفهمين ويطلبون أن أحافظ على التوازن بين الاثنين، أهلي هم أول من تذوّق وتمسّك بأن ما أقدمه هو رسم جميل، وبنفس الوقت وبأنني إن تابعت التدريب فسأتمكن من الوصول لمستوى متطوّر، كما أنهم دعموني في كل خطوة وكانوا مرحبين بأي فكرة ممكن أن تُثري مشواري الفني.
للأهل دائماً تأثير مباشر على نفسية الأولاد، وبرأيي من الضروري أن يشعر الطفل بدعم من المحيط الأقرب أولاً والذي هو العائلة في حال كان لديه أي موهبة، ليتجرأ بالمتابعة في تنميتها وتطويرها كي يشاركها مع باقي المحيط. وبالعودة للسؤال أضيف بحسب تجربتي، قد لا يحتاج الرسم في البدايات إلى وفر مادي، كون مستويات الدروس الأولية تتقدم وتتطور باستخدام قلم رصاص واحد، هذا إذا كانت هناك إرادة ورغبة حقيقية من الموهوب ذاته. وبالمقابل لابد من الإشارة إلى أن غياب الإمكانيات المادية، قد يكون سبباً لعدم الاستمرارية وعدم التمكّن من تجربة خامات مختلفة، وأخيراً إلى عدم القدرة على التجدد وصقل الموهبة بشكل أفضل.

حدّثينا عن دور الشبكة العنكبوتية بتطوير موهبتك وبالتعريف عنك وعن لوحاتك؟

للشبكة العنكبوتية الأثر البالغ في تحقيق نقلة نوعية ثقافية في مجال الفنون العالمية، هذا وأصبح الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي بمثابة معرض فنّي عالمي للرسام يزوره جمهور كبير من مختلف الجنسيات، وبالنسبة لي ساهمت في انطلاقتي بالفن التشكيلي، وخاصة في ظل الظروف التي عشناها ولازلنا نعيشها في سورية، والتي قد تمنعنا من المشاركة بالمعارض التشكيلية، كما وأحب أن أضيف هنا بأن هذه المنصات منحتني إضافة للحافز القوي، بأن أدرك رد فعل النقاد والجمهور حول لوحاتي مباشرة، وللأمانة هذا الأمر دفعني للاستمرار والبحث لتقديم الأفضل.

ما أسباب رفضك لعروض الرسم لأجل البيع؟

أرفض طلبات الرسم لضيق الوقت بالدرجة الأولى، ولا أود أن تؤثر- في الوقت الذي يتطلبه إنجازها- على تقدمي بموهبتي، وفي المرحلة الحالية أسعى للوصول لمستوى أفضل -فهذا هدفي- وأقدّر أهمية الاستمرار في البحث والتجريب وتخصيص الوقت الكافي للتجارب الشخصية في سبيل التطور الدائم، كما أن مجتمعنا في غالبيته -وللأسف- يتعامل مع فن الرسم على أنه سلعة تجارية حالها كحال أي بضاعة أخرى، لهذا لا يجد الفنان التقدير الكافي للوحاته، ومن الأسباب التي يمكن أن أضيفها هنا، هو عملي الخاص في مجال الترجمة والذي يجعل من وقتي محدوداً ويدفعني لممارسة الرسم كهواية فقط.

للفن التشكيلي دور كبير في دعم الثقافة البصرية… ما تعقيبك؟

ليس هذا فقط، بل وله دور مهم في بناء وتأسيس الوعي الجمالي والبصري والوجداني، وهنا لابد من الإشارة إلى أن عدم وعي المجتمع لأهمية وقيمة هذا الفن، هو ناتج عن نشأة علاقة خاطئة مع الفنون منذ الطفولة، علاقة تفتقر للاهتمام الذي يسهم في تكوّن وعي بصري جمالي ومعرفي أفضل.

أخيراً… ما رأيك في إلغاء حصص الرسم والموسيقا والرياضة في المدرسة من أجل متابعة دروس أخرى؟

هذا الأمر من المشاكل المنتشرة جداً في مدارسنا، وللأسف سببها كما أشرت أعلاه، هو أن أغلبية المجتمع لا زالت تتعامل مع الفنون كهامش من هوامش الحياة، وإلى غياب وعينا بأهمية الفنون وبدورها في بناء الشخصية، وهذا كلّه بسبب غياب الرعاية التربوية لها.

برأيي من الخطأ أن نفضّل المواد العلمية على المواد الفنية، وذلك لاختلاف الميول لدى التلاميذ، وتنمية الجانب الإبداعي لدى كل طفل بغض النظر عن ميوله واهتماماته، أمر يمكنه من تفريغ طاقاته وبناء شخصيته بشكل أفضل، ليكتشف مواهبه ومداركه وثقافته، والتي ممكن أن تقوده لطريق مختلف تماماً عن الطريق في دراسة المواد العلمية فقط. إذاً توزيع الاهتمام على الحصص الفنية والعلمية بشكل متوازن ضروري جداً لإنشاء جيل مبدع ومثقف يمتلك قدرات متميزة بمختلف مجالات الحياة، وفي الوقت الحالي في سورية نحن بأمس الحاجة لهكذا أجيال متنوّعة فكرياً لإعادة بناء وطننا والارتقاء به.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن