من دفتر الوطن

قانون.. وشعوذة!

| فرنسا ـ فراس عزيز ديب

«القانون لا يَحمي المغفَّلين»، ربما لو أن هناكَ تصويتاً على أسوأ عبارةٍ يتم تداولها عن جهلٍ أو علم لاخترتها دونما ترددٍ.
هذه العبارة تمتلك في شقِّها الظاهر نوعاً من الملامة على من يقَعون ضحايا للنصبِ والاحتيال، لكن ما هو أسوأ أنها تمتلك بشقها الباطن اعترافاً صريحاً بأن القانون لا يمكنه حماية الجميع، لأنها تفترض بأن هناك مُجرماً سينجو بفعلتهِ، وهنا تكمن الكارثة!
لا أحد يستطيع أن يحدِّدَ المصدَر الحقيقي لهذهِ العبارة، قيلَ الكثير عنها ولكنها بمعظمها روايات ضعيفة لا ترتقي لمستوى تبرير عبارة بهذا «الخبث»، لكن ما مناسبة هذا الكلام؟
في الواقع، فإن كنا نسلِّم ببديهيةِ أن القوانين موجودة لتعاقب الجاني وتُنصِف المجني عليه، فإن هناك بعض الجرائم باتَ لزاماً علينا أن نجعلَ النصَّ القانوني فيها يستهدف الجاني والضحية بالعقوبة ذاتها، لأن الجاني ما كان أساساً ليُفكر في ارتكاب جرم كهذا لو لم يقدِّم لهُ الضحية كل الوسائل الممكنة على طبقٍ من ذهب، بما فيها دفع الجاني لارتكاب المزيد من تلك الجرائم ما دامت هناك ضحية تُقنع باقي الضحايا لتنضم إليها في هذه المهزلة!
قد لا يمر شهر إلا ونسمع عن إلقاءِ القبض على مشعوذٍ أو نصَّابٍ متخفّ بعباءةِ الدين، يصطاد ضحاياه عبر إقناعهم بقدراتهِ العجيبة على إخراجِ الجن أو فكِّ السحر أو منع الزوج من الزواج الثاني وغيرها الكثير من قصص الدجل والنفاق التي تنتشر في مجتمعنا مع كل أسف. عملية النصب والاحتيال تلك قد تبدأ بطموحٍ بسيط يجني من خلالهِ المجرم بعضاً من المال، لكنها تتطور رويداً رويداً لتدخل في قضايا التحرش والابتزاز وصولاً إلى الاغتصاب، لتجلسَ الضحية ملومةً مقهورة على ما اقترفت يداها.
اللافت كذلك في الأمر أن كل تلكَ الجرائم التي تم اكتشافها بذريعةِ السحر أو الشعوذة لم تردع الآخرين بل على العكس، ما زال هناك من يثق بهؤلاء تلك الثقة العمياء.
قد يقول قائل إن الجهل هو السبب، لكن هذا كلام مجافٍ للحقيقة، فقد يكون من زبائن هذا الدجال أو تلك مواطنون من الطبقة الواعية، هنا يذهب البعض لتبرير هذا الاستسلام لأكاذيب كهذه بعبارة «لا تعتب على صاحب الحاجة»، ربما إن هذه العبارة توازي عبارة «القانون لا يَحمي المغفَّلين» ظلاميةً، لأنها تبرر هذا الانجراف نحو التحول إلى ضحية، ولعل فقدان القدرة على ضبط ظواهر كهذه يجعل من البديهي التفكير بجعل العقوبة متوازية بين الدجال والضحية، فالذي جعلَ لنا حاجة ما، هو ذاته الذي خلق لنا العقل لنفكر بالحكمة القائلة: «الحذَر لا يمنع القدر»، فكيف لمحتالٍ أن يقنعكم بالقدرة على ردِّه؟
في الخلاصة: إن كانت عبارة «القانون لا يَحمي المغفلين» متهمة بتبرئة المجرم، فإن من لا يزال يعتقد أن هناك من هو قادر على تعديل مسار قدرهِ بالسحرِ والشعوذة فهو شريك بالجريمة وليس ضحية، غير مسؤولٍ عن تصرفاتهِ، لأنه ببساطة يشرِّع الباب لضحايا جدد، لذلك يجب أن يكون شريكاً في العقوبة، وإن بكى شاكياً حاله عندها نذكرهُ بالقاعدة الفقهية:
«الجهل بالقانون لا يمنع العقوبة»، إلا إن كان سيذهب إلى مشعوذٍ عساه يبدِّل لهُ مسار الحكم والقضية، عندها لا نعلم ما النتيجة، فالمشعوذون في بلدي ومن كل الأصناف.. كثرة!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن