اقتصاد

هل توجد مبررات لـ«صمت المدير»..؟

| د. سعـد بساطة

هل واجه أحدكم في حياتــه المهنية مديراً كثير الكلام مستبد الرأي لا يستمع إلى موظفيه؟ الآن سأتحدث عن العـكس؛ أي عن المديرين الذين يصمتون كثيراً.
دعـونا نتجه لفرنسا في منتصف القرن السابع عشر الميلادي حيث الملك لويس الرابع عشر الذي حكم فرنسا ما يزيد على سبعين عاماً شهدت بعـصره نهضة ثقافية عظيمة. ويروى أن الوزراء كانوا يتناقشون لساعات طويلة لتحديد الملفات التي ستعـرض على الملك؛ بعـدها يتم ترشيح وزير بعـناية بعد نقاشات طويلة ليقوم بعرض الأمور والخيارات المطروحة على جلالته.. الذي كان يستمع في صمت مهيب من دون أن يعـلق بكلمة.
وبعد انتهاء العرض ينتظر الأوامر من الملك الفرنسي الذي كان يكتفي بالنظر إليه معـلقاً بهدوء: «سوف أرى!»، ثم ينصرف، وبعدها بفترة تأتي القرارات على شكل أوامر بإمضاء لويس الرابع عشر.
التعـليق: «لقد درس بعناية التصرفات والأفكار الخاصة بمستمعيه، وكان حكيماً للغاية، يعلم كيف يتم تفسير كل كلمة ينطق بها بالأماكن العامة… وقد دهش أكثر الأشخاص تعلماً من المعرفة التي أظهرها؛ ورأوا أنه كان على دراية كاملة بالأمر أكثر مما يفصح عـنه، وكانوا مفتونين بطريقة تعـبيره عن أفكاره».
ومع كل ما ذكر من محاسن الصمت، فمن الضروري التأكيد أيضاً على مخاطر المبالغة في الصمت وعدم التواصل الفعال الذي قد يتسبب بالكثير من المشكلات وسوء الفهم والظن.
من التحديات التي تواجه الشركات الأجنبية في التعامل مع نظيراتها الآسيوية؛ مثال: ميل اليابانيين إلى الصمت والاكتفاء بإيماء الرؤوس وقت الاجتماعات والمفاوضات. وهو ما يعني في العرف الياباني أنني استمع إليك على حين قد تفهم في ثقافات أخرى كثيرة بأنني أوافقك الرأي.
ولذلك تكون الصدمة كبيرة في نهاية الاجتماع برد مقتضب قد يتضمن الرفض بعد سلسلة طويلة من الإيماءات بالرأس.
في الوقت نفسه، أصبحت المتطلبات المؤسساتية تقتضي وجود تواصل فعال على مستوى الأفراد/ المنظمات عبر الوسائل الحديثة كشبكات التواصل الاجتماعي. ومع ذلك فلا بد من الحذر من الاسترسال والكلام غير المحسوب.
باختصار: لا ينبغي للمدير أن يستأثر بالكلام وينسى الاستماع إلى فريقه والاستماع إلى آرائهم.
فالصمت حكمة ويمنح الفرصة للاستماع لكل الخيارات لاتخاذ أفضل القرارات، وبالمقابل فعدم التواصل الفعال من الإدارة من شأنه أن يخلق الكثير من المشكلات في سوء الفهم وكثرة الظنون.
طبعاً الصمت لا يعطي الاحترام بالضرورة؛ وقد يفهم خطأ على أنه تكبر أو غرور بحكم المركز الوظيفي.
وأنا من وجهه نظري أيضاً أعتقد أن المدير الناجح هو الأكثر تواصلاً وتأثيراً في مرؤوسيه من خلال النقاشات المختلفة والمرتبطة بسير العمل وتحقيق أهدافه وحل مشكلاته المختلفة؛ فمن خلال الحوار والمناقشة يستطيع المدير إيصال وجهه نظره كاملة إلى مرؤوسيه ومتابعة سير العمل بعـد فهم أفكارهم وآرائهم.
هنالك مديرون؛ يصمتون عـن الحق (صفقة مريبة؛ إجحاف بحق الشركة،… إلخ)؛ لأنهم قبضوا المعـلوووم..!
وأذكر طرفة عـن وزير فاسد؛ كان يجعـجع بأفكاره الإصلاحيـة قبل التوزير؛ أما بعـد استلام المنصب فقد صمت فجأة صمت القبور؛ فلما سـُئل في ذلك؛ أجاب ضاحكاً «عـلـّمتني والدتي؛ ألا أتكلم؛ وفمي ملآن!».
لا ننسى في هذه السياق فيلم «صمت الحملان»: (The Silence of the Lambs) لعـام 1991.
بميزانية متواضعـة: 19 مليون دولار وإيرادات تجاوزت 282 مليون دولار. والقصة تدور حول صمت مريب حيال سلسلة من الجرائم!
كتب غابرييل غارثيا ماركيث: «ليس كل صامت قادراً على الرد، فهناك من يصمت حتى لا يجرح غيره، وهناك من يصمت لأنه يتألم وكلامه سيزيده ألماً، وهناك من يعلم أن الكلام لن يفيد إذا تحدث! وهناك من يصمت وقت غضبه حتى لا يخسر أحداً!»
بالختام أذكر قول الشاعر: «صامت لو تكلما.. لفظ النار والدما.. قل لمن عـاب صمته.. خُلق الحزم أبكما».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن