من دفتر الوطن

الحاضر فؤاد بلاط

| حسن م. يوسف

لدي قناعة أن الأستاذ فؤاد بلاط سيبقى ذكره حياً بعد انطفاء أسماء جل من سينعون موته اليوم، ففي ضوء تجربتي في الإعلام السوري التي قاربت النصف قرن، أستطيع أن أقول بثقة إن فقيدنا الكبير فؤاد بلاط هو المدير الوحيد الذي يجمع الإعلاميون السوريون على احترامه، الصديق منهم والعدو على حد سواء.
اليوم، من الطبيعي أن يكتب الكثير عن حياة الراحل الكبير فؤاد بلاط، ومن الإنصاف أن تذكر خصاله الطيبة بما تستحقه من كلام. صحيح أن الأستاذ فؤاد بلاط شغل مناصب إعلامية وثقافية عديدة، كان فيها جميعها نموذجاً للإعلامي الوطني الحق الذي «يتغلغل الإعلام في شرايينه» كما وصفه الأستاذ فؤاد نعيسة الذي كان أول رئيس تحرير عمل فؤاد بلاط تحت إشرافه، لكن ما أدخل فؤاد بلاط التاريخ من أوسع أبوابه، هو السنوات السبع التي أمضاها مديراً عاماً للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون. فخلال إدارته سادت علاقة إنسانية جديدة بين الإدارة والعاملين انعكست إيجاباً على العمل، فشهد التلفزيون العربي السوري قفزات نوعية في أدائه، إذ تحوّل من الأبيض والأسود إلى الألوان، وتوسعت تغطية بثه لتشمل جميع أنحاء سورية كما تم إطلاق القناة السورية الثانية.
كان الأستاذ فؤاد بلاط خفيف الظل، وقد عبر عن علاقة الإعلام بالمجتمع عندما بالغَ أعضاء مجلس الشعب في انتقاد الإعلام إذ قال أحدهم: «لماذا لا يكون التلفزيون مثل هيئة الإذاعة البريطانية؟» فابتسم فؤاد بلاط وأجابه قائلاً: «عندما تصبحون أنتم مثل مجلس اللوردات البريطاني، نصبح نحن مثل الـ ب. ب. سي».
نعم، سيقال الكثير عن الأستاذ فؤاد بلاط، لذا سأكتفي بما قلته عن الرجل، وأخصص بقية هذا المقال لكلمات مضيئة قالها الأستاذ الكبير فؤاد بلاط في مناسبات مختلفة:
• «بدأت من الصفر ومررت بكل المراحل الصغيرة والكبيرة، للوصول إلى ما أنا عليه الآن».
• «الذي أعاق عملية الإبداع في كتابة النصوص المهمة للتلفزيون هو المستشار السياسي للإدارة وهو: الخوف».
• «الصح والخطأ في التلفزيون – عندما لا يتعلق الأمر بالبرامج السياسية – غامض وواسع وفضفاض».
• «الإبداع في التلفزيون تنهض به فئتان: الكتاب والمخرجون».
• «نحتاج في شخص وزير الإعلام إلى ثلاث صفات: أن يكون مهنياً جيداً يقنع من يعمل معهم. أن يكون إدارياً حازماً، أي أن يكون ليناً من دون ضعف وحازماً من دون عنف. أن تكون لديه رؤية سياسية مبنية على مشروع فكري نهضوي يوفق ما بين رغبات السلطة وحاجات المجتمع وهمومه.
أحمد اسكندر أحمد كان كذلك… ومن الصعب أن نأتي بأحمد اسكندر أحمد جديد… لذا الأفضل أن نلغي وزارة الإعلام».
• «الإعلام جنسية وليس مهنة».
• «في الصحافة هناك مرتبة واحدة وهي «صحفي». أما رئيس تحرير، ومدير تحرير، ومدير عام …فهي مناصب عمل مهني بوظائف محددة».
• «المدير الحقيقي في التلفزيون هو الجمهور… وعلى المسؤول في التلفزيون أن يلتقط كل الأفكار الجديدة من الناس».
• «لم يعد مقبولاً ضمن ثورة الاتصالات العالمية وانفجار تكنولوجيا المعلومات، أن يبقى الإعلام كـ«الجرسون» مهمته أن يلبي كل ما يطلب إليه».
آخر كلمات سمعتها من الأستاذ فؤاد بلاط هو ما قاله في ختام جلسة تكريمه في لقاء «أماسي» الذي أقيم في المركز الثقافي العربي في أبو رمانة قبل نحو عامين: «نحن قادرون على تجاوز تدمير الحرب، فالسوريون يملكون قدرة على الإبداع لا حدود لها، قد نختلف بالألوان والانتماءات لكن الاختلاف لا يعني الخلاف… يوحدنا الوطن».
فؤاد بلاط، سيبقى ذكرك حياً فينا ما بقينا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن