قضايا وآراء

أردوغان وسياسته المتهالكة

| تحسين الحلبي

إن كل من يتابع سجل العلاقات التركية الروسية في منطقة الشرق الأوسط لا يثق أبداً بأنها قابلة للاستمرار بالشكل الذي ظهرت عليه منذ بداية عام 2011 حتى الآن ولا في المستقبل، فقد تبين بشكل ملموس وجود عدد مهم من الخلافات في السياسة الخارجية بين الجانبين إضافة إلى تناقض صارخ في المصالح الوطنية لكل طرف منهما.
ففي البرامج الرسمية لكل دولة لا يجد المرء أن الأهداف السياسية المعلنة لروسيا على سبيل المثال تتفق مع أهداف السياسة التركية المعلنة تجاه عدد من المناطق، فروسيا في منطقتنا بالذات تتناقض سياستها مع السياسة التركية بشكل بارز في موضوع سورية العراق وتجاه إيران وحزب الله. فمواقف تركيا من هذه الأطراف لا تتفق مع مواقف روسيا بالأعمال ولا بالخطاب الإعلامي رغم عضوية أردوغان في منصة أستانا وإعلانه المتكرر في قممها السياسية عن سيادة ووحدة أراضي سورية مثلما لا تتفق مع السياسة الروسية تجاه إيران والعراق أيضاً.
لا أحد يشك أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بذل منذ بداية الأزمة السورية عام 2011 جهوداً هائلة لمنع التدخل الخارجي بالأزمة السورية وعدم تحول الساحة السورية إلى ساحة حرب إرهابية انخرطت بها دول كثيرة من المنطقة وخارجها، ومن بينها تركيا. وحين لم تحقق هذه الجهود أهدافها توصل الطرفان السوري والروسي في عام 2015 إلى مشاركة روسيا بمحاربة الإرهابيين بقواتها الروسية وبشكل مباشر إلى جانب الجيش السوري وحلفائه من إيران والمقاومة اللبنانية، وبهذه المشاركة وجهت روسيا ضربة قوية للانخراط التركي بالحرب على سورية ولجمت دوره، وكان من الطبيعي أن يقوم هؤلاء الحلفاء بضرب كل المجموعات المسلحة الإرهابية التي كانت تركيا تدعمها بالسلاح وتنقلها إلى داخل الحدود السورية لضرب الجيش السوري. ولا شك أن هذا التطور الروسي على الأرض السورية فرض على أردوغان مراجعة حساباته ضد سورية بشكل من الأشكال لأنه أصبح على حافة مواجهة مع قوى لا يستطيع الوقوف أمامها وهي سورية وإيران وروسيا والمقاومة، فبدأ يميل إلى المناورة وكسب الوقت من دون أن يتوقف عن دعم المجموعات الإرهابية المسلحة في إدلب وغيرها.
ولذلك يرى معظم المحللين الذين يتابعون موضوع العلاقات الروسية التركية أن هذه العلاقات مرشحة للاتجاه نحو خيارين: إما أن يستمر الطرفان الروسي والتركي بالمحافظة على قواعد اللعبة الراهنة بينهما على حساب المصالح التركية، وإما أن تسير هذه العلاقات بموجب تزايد حدة التناقض القائمة في مصالح كل منهما نحو مفترق طرق تسود فيه حرب باردة، وربما صدام يقلب قواعد اللعبة كلها، وبالمقابل يمكن القول إن العلاقة الروسية التركية لا تشبه العلاقات الطبيعية بين الدول بل تميل إلى صفة علاقات الأمر الواقع لخدمة مصالح نسبية، ولعل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف كان واضحاً جداً حين ذكر أن العلاقات بين موسكو وأنقرة لا تحمل صفة إستراتيجية. لكنه من الواضح أيضا أن حلفاء تركيا الإستراتيجيين في الأطلسي بدؤوا يكثفون نشاطهم في هذه الأوقات لتوجيه أردوغان وإغرائه بالصدام مع روسيا عن طريق الاصطفاف إلى مواقف أوكراينا جارته وحليفته في البحر الأسود، ويبدو أن الرئيس بوتين أدرك ما يخطط له الأطلسي على حدود روسيا في البحر الأسود فقام بإعلان تحذير لأردوغان وطلب منه ألا ينسى اتفاقية مونترو التي تحكم نظام الممرات من بحر مرمرة إلى البحر الأسود، وكان قادة الاتحاد الأوروبي قد اعترفوا في إدارة الأبحاث البرلمانية الأوروبية في شباط الماضي أن سياسة روسيا تجاه تركيا تمكنت من لجم حركة أردوغان وتحقيق مصالح لسورية على حساب الخطط التركية، وهم يريدون الآن من أردوغان الانخراط مع سياسة الحلف الأطلسي بشكل مباشر ضد روسيا وبالطبع ضد حلفائها، ولذلك يميل بعض المختصين بمتابعة السياسة التركية إلى احتمال أن يشهد عام 2021 تحولاً تدريجياً في سياسة أردوغان نحو الدور المعد له من واشنطن ومن حلف الأطلسي، وهذا ما يضع تركيا في شقها الآسيوي أمام ميزان قوى إقليمي لا تميل كفته لمصلحتها ويضعها في شقها الأوروبي أمام روسيا الاتحادية وقدراتها الكبرى القادرة على إحباط أي مخطط يستهدفها في البحر الأسود.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن